مقالات مختارة

سحب "القوات اللبنانية" من سوريا!

عبد الرحمن الراشد
1300x600
1300x600
من السخرية أن تنقلب الأوضاع، فالحرب أصبحت في سوريا، والحكم في دمشق يعيش في ظل حراسة المليشيات اللبنانية.

ومن باب المقاربة نعتبر مليشيات «حزب الله» قوات لبنانية، وهي كذلك في واقع الأمر. فهي تعتبر نفسها مماثلة للجيش اللبناني والأمن الداخلي. حالة تعود بالذاكرة إلى زمن كانت فيه مطالَبات شعبية في لبنان، وكذلك نداءات دولية، بإخراج القوات السورية من لبنان.

وإخراج «حزب الله» وبقية القوى والمليشيات من سوريا هو صلب النقاش بين الحكومتين الأمريكية والروسية، ضمن نقاش الحل السلمي. الجانب الأمريكي يريد إنهاء وجود القوى الأجنبية المسلحة المساندة للنظام السوري، وعلى رأسها قوات إيران من الحرس الثوري، وكذلك «حزب الله» اللبناني وبقية المليشيات العراقية والباكستانية والأفغانية وغيرها.

احتل النظام السوري لبنان؛ بحجة مواجهة إسرائيل. لم يكن اللبنانيون يصدقون مبررات دمشق؛ لأنهم عايشوا هيمنة النظام وتدخلاته في تفاصيل حياتهم، أما العرب فالكثرة منهم انساقت وراء «البروباغندا» حتى قيام الحرب الأهلية في سوريا.

وفي إطار الحديث عن حل سلمي لإنهاء الثورة في سوريا، سبق لواشنطن أن عبرت عن قبولها بالمشروع الروسي من حيث المبدأ، بإنهاء الصراع سياسيا بغض النظر عن بقاء بشار الأسد في الحكم. ثم ارتكب النظام غلطة رئيسية في جريمة قصفه خان شيخون بالسلاح الكيماوي، ولم يكن مضطرا لأنه يمارس القتل يوميا بالقصف والبراميل المتفجرة. كانت تحديا للإدارة الأمريكية، وبرهنت أيضا على صحة كلام خصوم نظام دمشق، بأنه وحلفاءه لن يلتزموا بأي تعهدات سياسية، وأن «الأجندة» تتجاوز سوريا.

في التصريحات الأخيرة، رفع الأمريكيون سقف مطالبهم إلى أقصى نقطة، وهي إقصاء الأسد من الحكم، وفِي سياق النقاش أيضا يطالبون بإخراج القوات والمليشيات الإيرانية واللبنانية والأخرى من سوريا، التي يقدر إجمالي عددها بنحو خمسين ألف مقاتل. وهذا يعني أن التركيز المقبل، فعليا، سيكون على النقطة الثانية؛ إخراج القوى غير السورية، وربما تستثنى روسيا من ذلك.

إنما سيكتشف الأمريكيون لاحقا أن إخراج الأسد سيكون أهون من إخراج فيلق القدس الإيراني و«حزب الله» اللبناني اللذين دقّا حوافرهم في الأرض السورية. ولا أتصور أن «حزب الله» سعيد بالوظيفة التي كلفته إيران بها، أي القتال في سوريا، لأسباب كثيرة، أبرزها أنها استنزفت رجاله وخسر في سوريا أكثر مما فقده في حروبه مع إسرائيل في ثلاثين عاما. وفي لبنان هو في مواجهة صعبة لأن تدخله سبب في تهجير، ونزوح مليون ونصف لاجئ سوري إلى لبنان. وضعف «حزب الله» عسكريا نتيجة انخراطه في الحرب منذ ثلاث سنوات الذي سيكون له تبعات على نفوذه في لبنان أيضا. لكن قرار إرسال مليشيات الحزب إلى الحرب هو قرار إيراني بانفراد، مثل بقية المليشيات التابعة الأخرى في العراق. طهران تقرر وتفاوض ولن يكون الحزب طرفا في مفاوضات الانسحاب مستقبلا.

التحدي كيف يمكن للأسد إبعاد خمسين ألف مقاتل تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني؟ في رأيي المهمة مستحيلة. الروس يعرفون أنهم لا يملكون الكلمة الأخيرة في دمشق رغم أن تدخلهم العسكري هو الذي رجح الكفة لصالح الأسد. المصادر تجمع على أن إيران هي صاحبة القرار النافذ في دمشق، وقد عملت خلال سنوات الحرب على السيطرة على مفاصل الدولة السورية، بما فيها الأمنية والعسكرية.

التحدي الحقيقي للمجتمع الدولي هو إخراج القوات الإيرانية بأعلامها المختلفة من سوريا. 

إخراج «القوات اللبنانية» من سوريا حل محل إخراج القوات السورية من لبنان، ولا نعلم كيف ولا متى؛ فالمشروع الإيراني في المنطقة يشمل العراق ولبنان، وتعتبر القيادة الإيرانية سوريا الهضبة الضرورية للسيطرة على هذين البلدين، وليست سوريا بذاتها.

"الشرق الأوسط" اللندنية
0
التعليقات (0)