كتاب عربي 21

جيفة كانت تسمى.. كرامة!

طارق أوشن
1300x600
1300x600
هل تعرفين من يكون المصري؟

هو كبرياء الفراعنة.. هو التاريخ.. هو الماضي الرائع.

هكذا خاطبت الشابة الصينية زميلتها وهي تنتظر قدوم محي الشرقاوي من مصر في فيلم (فول الصين العظيم – 2004) للمخرج شريف عرفة، وربما تكون تلك هي الصورة الذهنية التي يحملها كثيرون عن مصر وأبنائها حتى ابتلاهم الله بانقلابي لا تكفيه بشاعة الصورة التي يصدرها عن البلد في الداخل، بل ينقل معه عقدة الدونية أينما حل وارتحل.

إلى الولايات المتحدة الأمريكية جمع الانقلابي شتات أتباعه وأبواقه الإعلامية، وهو يمني النفس بالظهور بمظهر رجل الدولة والشريك الاستراتيجي لساكن البيت الأبيض دونالد ترمب. لكنهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

فبينما كان عدد من أبناء الجالية يهللون ويصدحون بالأغاني خارج البيت البيضاوي برئاسة مايسترو التطبيل أحمد موسى ومن جاوره في حضرة "الرئيس" وغيابه، كان "زعيمهم" يقدم آيات الولاء لترمب، وعينيه في الأرض وأياديه مشبكة خجلا وضعفا واستكانة في انتظار أن يمد السيد يده للسلام ليرتمي عليها قبل أن يرتد إليه طرفه. بدا المشهد وكأنه استعادة لاستقبال ظاظا لواوا في فيلم (ظاظا – 2006) للمخرج علي عبد الخالق.

في قاعة استراحة الضيوف، يجلس "الرئيس" سعيد ظاظا مرحبا بضيفه الأجنبي.

ظاظا: يا أهلا يا أهلا.. خطوة عزيزة يا واوا.. نورت بلدنا.

واوا: متشكر متشكر.

ظاظا: انما سيادتك مقلتليش، حضرتك رئيس بالانقلاب؟ 

واوا: لا، بالانقلاب.

ظاظا: بالانقلاب؟ هايل هايل.. والله أسرع وأسهل.. نظام بقا ايلي يصحى الصبح بدري يمسك الحكم وكده.. ولو طبقت يومين تأخذ دورتين.. انت أول رئيس يزورني بعدما مسكت الحكم.. احنا لازم يبقى بيننا تبادل تجاري، صناعي، ثقافي.. بلدكم تنتج ايه علشان نشتريه؟

واوا: احنا ننتج أجود أنواع الفحم وننتج أيضا أجود أنواع المعسل.

ظاظا: فحم ومعسل؟ وايه كمان؟

واوا: لا، نحن لا ننتج شيئا آخر.

ظاظا: فحم ومعسل بس؟ ده رئيس دولة ولا صاحب غرزة؟ يبقى المفروض تشتروا مننا.. احنا عندنا منتوجات متنوعة.

واوا: لا يا سيدي، نحن لا نشتري.. نحن دولة تعيش على المعونات.

ظاظا: آه.. ده انت جاي تتعشى بقا..

ما كان دونالد ترمب بحاجة لمثل هذا الحوار ليفهم أنه بحضرة انقلابي يتسول شرعية الوجود، و"حاكم" حول بلده ل"شبه دولة" صارت في عهده تقتات على الرز مقابلا للأرض ومن الديون والمعونات ومدخرات السيدة سبيلة وحلق السيدة زينب وأخريات كثيرات.

تموت الحرة ولا تأكل بثدييها. لكن السيسي ونظامه الانقلابي يقبل الرضوخ لإملاءات البنوك الخارجية ولو على حساب الفقراء، وينحني بمهانة لتسلم أكياس الرز ولو كان المقابل التفريط في الأرض، ويمرغ تاريخ البلد وكرامة الوطن في مقابل استمراره في الحكم إلى حين.

سيد البيت الأبيض لا يقدم باليمنى إلا ليأخذ باليسرى. ويده الممدودة التي اعتبرت اعترافا بـ"شرعية" الانقلابي تلتها صفعة موجعة عمادها صورة مذلة لسيد جالس على عرشه، محاطا بموظفيه العرب منهم والعجم، الغفير منهم و"الرئيس". وإن كان الأمر كله مختصرا في مصافحة، فبخيت المهيطل كان له "الشرف" في السلام على الرئيس الأمريكي في فيلم (هاللو أمريكا -  2000) للمخرج نادر جلال، في مشهد معبر انتهى بخروجه ذليلا وبخفي حنين.

قد لا يكون المصير نفسه من نصيب قائد الانقلاب فالحاجة الظرفية إليه قد تشفع له في بعض المساعدات وفي إبقاء قوس المعونة مفتوحا كما قد يلخصه المشهد التالي:

في استقباله للسفير الأجنبي (الأمريكي)، يدور الحوار بين الرئيس ظاظا وضيفه بعد أن يرسل أحد حراسه لاستقدام أكواب عصير قصب دليل ضيافة كريمة.

السفير: السيد الرئيس، احنا لنا طلب عند فخامتك.

ظاظا: غير القصب؟

السفير: احنا قررنا توجيه ضربة عسكرية لدولة من دول المنطقة فيها حاكم دماغه ناشف ورافض إصلاح بجانب كونه بيرعى الإرهاب.

مساعدة الرئيس: مستر جون طالب تسهيلات عسكرية.. يعني مطارات، خدمات ومحدش حيعرف حاجة.

ظاظا: كل دول المنطقة فيه بيننا وبينهم اتفاقية دفاع مشترك.. احنا خوات.. أي اعتداء عليهم اعتداء علينا شخصيا.

السفير: ده كلام على ورق ولكن الواقع غير كده.. احنا ضربنا دول في المنطقة قبل كده ومحدش احتج.

ظاظا: اه.. ده فعلا حصل. وده نظير ايه؟

مساعدة الرئيس: في نظير حاجات كثير.. مساعدات اقتصادية ومعونات.. بلدك محتاجة يا ريس.

ظاظا: يعني نظام بيع أخوك واقبض.. مش كده؟

السفير: لا يا سيادة الرئيس.. ده مصالح شعوب.. شوف مصلحة شعبك فين وده حيبقى طريقك. 

يتوجه ظاظا إلى أحد الحراس..

ظاظا: الحق روح لعبد الشافي قل له يسك ع العصير.

ذاك كان مشهدا سينمائيا. لكن واقع الحال يؤكد أن العصير سيسقى للضيف أو المضيف الغربي أنهارا وأنهارا، والمصلحة ليست مصلحة شعب بل مصلحة فرد ونظام أبى إلا أن يمرغ كرامة "أهله" أينما قادته الرياح، والمشهد بالقصر الجمهوري بأوغندا لم يمح بعد من الذاكرة، حين مد الرئيس الأوغندي رجليه، ما شاء لها أن تمتد، معلنا أن "مصر في حاجة إلى الحبوب واللحوم ونحن يمكننا أن نتعاون في هذا المجال. هم أيضا في حاجة إلى الفاكهة والأسماك ويمكن أن نتعاون مع مصر بشأن هذه المنتجات". قائد الانقلاب كان يقهقه كالعادة دون أدنى شعور بأي مهانة أوإذلال.

في مقلب القمامة

رأيت جثة لها ملامح

الأعراب

تجمعت من حولها 

"النسور" و"الدِباب"

وفوقها علامة

تقول: هذي جيفة

كانت تسمى سابقا..

كرامة!

وتلك لافتة من لافتات أحمد مطر.
0
التعليقات (0)