مقالات مختارة

من يكفكف دموع الأرض؟

طلال عوكل
1300x600
1300x600
كان يوم الثلاثين من آذار العام 1976، يوما متميزا في مسار النضال الفلسطيني من اجل حماية الأرض، التي يدور حولها الصراع، وتشكل جوهره.

الرسالة كانت بليغة ومن طبيعة استراتيجية، جعلت من ذلك اليوم، مناسبة وطنية، مهمة، فرضت نفسها على أجندة طافحة بالمناسبات والأيام الأليمة، والطافحة أيضا بأيام نضال متميزة.

أن تخرج جماهير الجليل والمثلث، أي في أراضي 1948، دفاعا عن الأرض وهويتها، وان تعمد الرواية الفلسطينية بدماء ستة شهداء، وعدد من الجرحى، فإن ذلك يشكل تأصيلا للصراع بما انه صراع وجودي وليس حدوديا. 

هو صراع على كل ارض فلسطين التاريخية وليس على جزء منها، وهو صراع جذري شامل، سواء تحقق أو لم يتحقق السلام على أساس رؤية الدولتين، هو يوم يتوحد فيه كل الفلسطينيين بكل فئاتهم المجتمعية، وأطيافهم السياسية، ولذلك فإنه أيضا يوم لتأكيد وحدة الشعب كل الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده داخل وخارج ارض فلسطين التاريخية. 

قبلت منظمة التحرير الفلسطينية أن تخوض مساومة تاريخية تحقق للفلسطينيين جزءا من حقوقهم التاريخية، على 22? من ارض فلسطين لكن أطماع الحركة الصهيونية، تصر على رفض مثل هذه المساومة المجحفة بحق الشعب الفلسطيني، وتصر على مصادرة كل ارض الفلسطينيين وحقوقهم الوطنية.

ليس الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية من يدفع الصراع من صراع على الحدود إلى صراع على الوجود، وإنما هي إسرائيل التي تفعل ذلك، فلا تبقي للفلسطينيين من خيار سوى الذهاب إلى خوض هذا الصراع. في الحقيقة، فإنني اجزم انه لا يوجد فلسطيني واحد، لا تغمره قناعة عميقة راسخة، وإيمان لا يتزعزع، بأنه صاحب هذه الأرض بلا منازع أو شريك، ولا اشك أبدا بأن تحقيق رؤية الدولتين، وهو امر ترفضه إسرائيل، يمكن أن ينهي الصراع، أو يغير من إيمان الفلسطيني بحقه على كل ارض فلسطين التاريخية.

يلفت النظر أن الاهتمام الفلسطيني الوطني الجماعي العام، لم يعد بمستوى الأهمية التي تنطوي عليها هذه المناسبة الوطنية المتميزة، تماما مثلما هي الحال إزاء الكثير من المناسبات والنكبات، التي تطفح بها أيام السنة قبل الانقسام الفلسطيني، كان الفلسطينيون كل الفلسطينيين يخرجون إلى الشوارع بمئات الآلاف، موحدين خلف شعارات موحدة، تصدر عنها رسائل مهمة لكل من له علاقة بملف الصراع العربي الفلسطيني الإسرائيلي.

الانقسام اليوم، الذي يخلق حالة من الخوف والحذر، لدى الأطراف المسيطرة في غزة والضفة، جعل أحياء مثل هذه المناسبات، في حدود دنيا تطغى عليها اجتماعات شكلية وخطابات لا تترك أثرا على وسائل الإعلام، لأنها تفتقد إلى الخبر المهم، وتفتقد إلى المصداقية كونها تميل إلى المجاملات والنفاق السياسي.

الصورة التي يقدمها الفلسطيني في هذه المناسبة، مشوشة جدا، فعدا ضعفها، وتمزق القائمين عليها، فإنها لا تزال تزخر بخطاب سياسي محكوم للغة سياسة هابطة، مليئة بالاتهامات المتبادلة، ربما كان على الفلسطينيين المنقسمين على انفسهم أن يلاحظوا الفارق في التعامل مع معاني وأبعاد هذه المناسبة، بين ما تقوم به دولة الاحتلال، وبين ما تقوم به الفصائل الفلسطينية.

في يوم الأرض، هذا العام، اجتمع المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي ليصدر قرارا بإقامة مستوطنة جديدة، لمستوطني عامونا الذين تم إجلاؤهم بقرار قضائي إسرائيلي، مستوطنة عامونا كانت مستوطنة عشوائية، أما قرار المجلس الوزاري الإسرائيلي فإنه يمنحهم مستوطنة «شرعية» وفق معايير دولة الاحتلال.

يدعي الاحتلال أن «المستوطنة الجديدة» هي فقط التي ستقام على أراضي الضفة الغربية منذ العام 1999، ما يعني أنها وفق المنطق الإسرائيلي ينبغي أن تضاف إلى الكتل الاستيطانية الكبرى، التي يفترض أن تخرج من حسابات شروط استئناف المفاوضات.

الإدارة الأمريكية التي يتسم موقفها بالانحياز لإسرائيل، فلا ترى في الاستيطان عقبة أمام تحقيق السلام، وقعت في تناقض إزاء الإعلان الإسرائيلي، تعبر الإدارة عن قلقها ولكنها تجد لإسرائيل مبررا وذريعة حيث أن قرار إقامة «مستوطنة جديدة»، هو تلبية لوعد سابق قطعه نتنياهو على نفسه أمام مستوطني عامونا، ويبدو أن إدارة الرئيس دونالد ترامب على علم مسبق بما أقره المجلس الوزاري الإسرائيلي، وان تلك الإدارة مستعدة لتبرير وتغطية السلوك الإسرائيلي، الذي يضع المزيد من الشروط والعقبات أمام إمكانية نجاح الإدارة الأمريكية في تحقيق هدف استئناف المفاوضات.

القرار الإسرائيلي في ذلك اليوم تحديدا ينطوي على وسائل عديدة تفترض ردودا قوية من قبل الفلسطينيين والعرب.

أن يصدر قرار إقامة مستوطنة جديدة في يوم الأرض، فإن ذلك يشكل تحديا لأهل الأرض الأصليين، ويمتحن استعدادهم وقدرتهم على حماية أرضهم وروايتهم التاريخية، لكنه فوق هذا يشير إلى الطبيعة الجذرية والاستراتيجية للصراع بما انه صراع على كل الأرض، صراع وجود وليس صراع حدود.

إسرائيل تريد من خلال تلك الرسالة، أن تتحدى العرب الذين انهوا قمتهم قبل يوم واحد من القرار الإسرائيلي، تماما كما فعل شارون في اليوم التالي لقمة بيروت العام 2002، التي أقرت مبادرة السلام العربية. 

كان رد شارون كما رد نتنياهو عمليا، حيث جرد «حملة السور الواقي»، وأعاد احتلال الضفة الغربية وذلك ردا على المبادرة العربية.

ورسالة حكومة المستوطنين التي يقودها بنيامين نتنياهو هي رد عملي على قرار مجلس الأمن الدولي 2334، بما يعني أن إسرائيل لن تمتثل لأي قرارات دولية تتعلق بالحقوق الفلسطينية، إسرائيل تفعل ذلك وظهرها إلى الحائط الأمريكي، الذي يوفر لها الحماية، ويمنع المؤسسات الدولية من أن تواصل «تقريع» إسرائيل كما تقول مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة.

والسلوك الإسرائيلي أخيرا، يعبر عن رؤية إسرائيل العملية إزاء التحرك الأمريكي، لإحياء المفاوضات وعملية السلام، ما يعني أنها ستواصل فرض شروطها، ومنطقها للحل، وان مسألة استئناف المفاوضات ينبغي أن ترتكز فقط على ما ينبغي على الفلسطينيين أن يقدموه من تنازلات.

الأيام الفلسطينية
1
التعليقات (1)
عبدالله العثامنه
الأربعاء، 05-04-2017 06:00 ص
يوم الأرض: أشعل الأحرار الأرض؛ ضاقت على العبيد الأرض.