سياسة عربية

بدء مشاورات تشكيل حكومة المغرب من الصفر..تراجع أم مناورة؟

رئيس الحكومة المغربية المعين سعد الدين العثماني ـ جيتي
رئيس الحكومة المغربية المعين سعد الدين العثماني ـ جيتي
جولة أولى من مشاورات تشكيل الحكومة المغربية، يطلقها غدا الثلاثاء رئيس الحكومة المعين المكلف سعد الدين العثماني، بعد تأخيرها بـ 24 ساعة بسبب مشاركة الأخير في نشاط ملكي بمدينة طنجة (شمال المغرب).
  
وقال سعد الدين العثماني في تصريح نشره موقع حزب العدالة والتنمية، "إنه بعد لقاء الأمانة العامة لحزب المصباح، يوم الأحد 19 آذار/مارس، والمشاورات التي شهدها، تقرر بدء المشاورات الأولى لتشكيل الحكومة، بعقد لقاءات مع جميع الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان تباعا، حسب نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة".

هذا الموقف اعتبر "زلزالا" سياسيا في المغرب، لأن العثماني لم يبدأ من حيث انتهى سلفه عبد الإله بن كيران، كما أنه أسقط "الخطوط الحمراء" التي وضعها حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه، ما يعني انفتاحه على حزب الأصالة والمعاصرة الذي كان الصراع معه أحد عناوين انتخابات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2016. 

الخيار الضرورة

واعتبر رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، محمد بودن، أن "العثماني يعلم أن انسداد قنوات المشاورات الحكومية مثل بعبعا حقيقيا بالنسبة لابن كيران وجزء من قيادة حزب العدالة والتنمية، لذلك سيحاول بمقوماته الشخصية ومرونة مواقفه أن يستحضر وهو يعود بالمشاورات الحكومية إلى نقطة البداية من جهة شروط حزبه وأحكام الظرفية، وضيق الزمن التفاوضي ومن جهة أخرى سيخشى من الاضطرار لدفع ثمن ما في حالة تصلبت المفاوضات من جديد".

وتابع محمد بودن في تصريح لـ"عربي21"، أنه "من الواضح أن المشاورات هذه المرة أصبحت تعني كل الأحزاب الممثلة بمجلس النواب، ويبدو أن أجندتها خاضعة للوزن النيابي لكل حزب وليست عشوائية، كما أن معطيات الطمأنة وعدم فرض شروط من قبل بعض الأحزاب سيجعل أمر المفاوضات غير مطبوع بالعسر".

وأفاد بودن: "أعتقد أن بداية مرحلة جديدة لا تعني العودة لنقطة الصفر بل قد تعني مراجعة المنهجية والمعايير التي ستجنب رئيس الحكومة المكلف من المقاومات وتؤسس لتسامح سياسي بين أطراف مغايرة كحزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة".

ومضى يقول: "من المؤكد أن حزب العدالة والتنمية بالعثماني لن تظهر لهجته الصارمة في زمن ابن كيران، وهذا الأمر سيساهم لا محالة بالانتقال من التجميد إلى فرض قيود على الأطراف التفاوضية من أجل الانتقال لمرحلة متقدمة، لكن العثماني لا يمكنه الذهاب بعيدا بنفس شروط مرحلة (الخمسة أشهر)".

وقال بودن: "بين تقديرات الاستراتيجية وأخرى تكتيكية يبدو أن جهود العثماني لن تضيع وسط سحابة تعنت باقي الأطراف المعنية، وحظوظ نجاح المفاوضات سترتفع بعد عودة كل الأحزاب الممثلة بمجلس النواب إلى طاولة المفاوضات، وبعد إعلان أغلبها عن ترحيبها برئيس الحكومة الجديد ورغبتها في مساعدته".

البحث عن المكاسب

ويقدم أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، عبد الرحيم العلام، قراءة أخرى لقرار العثماني، فيرى "أن الانفتاح على جميع الأحزاب الممثلة في مجلس النواب، يحتمل أن يكون ذلك صادرا عن حزب العدالة والتنمية نفسه، وهذا سيحقق له الكثير من المكاسب".

وأوضح عبد الرحيم العلام في تصريح لـ"عربي21" عدد المكاسب التي رجح تحصيلها من طرف العدالة والتنمية، قائلا؛ "توسيع ما تم تضييقه خلال المرحلة السابقة، فالمعروف أن ابن كيران كان قد طبع العلاقة بين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة بالطابع الصراعي الذي حظيت به الحملة الانتخابية، مما أدى إلى نتيجة منطقية وهي عدم التواجد معا داخل الحكومة". 

وزاد العلام: "هذا المعطى واكبه خط أحمر وضع ضد مشاركة حزب الاستقلال في الحكومة لأسباب متعددة. مما جعل الرئيس المكلف في وضعية حرجة، بحيث لم يعد أمامه إلا هامش مناورة ضيق بعد استبعاد أهم الأحزاب من معادلة الحكومة. وهذا ما يحاول العثماني اليوم تجاوزه".

العودة إلى الاستقلال

موضوع حزب الاستقلال بالنسبة للعلام، هو ركيزة الفرضية الثانية المتمثلة في كون الانفتاح جاء "بتوجيهات ملكية تلقاها العثماني من أثناء تكليفه، وهنا أيضا سنكون أمام استراتيجية جديدة، مفادها أن حزب الاستقلال لم يعد محط رفض، وأنه يمكن أن يعود إلى دائرة الضوء".

وأفاد عبد الرحيم العلام، أن "من شأن الانفتاح على الجميع، أن يعيد حزب الاستقلال إلى دائرة التفاوض، إما من أجل إدخاله فعلا للحكومة بعد خفوت صوت شباط، وإما من أجل جعله في مقابل الاتحاد الاشتراكي حتى إذا قبل أحدهما يقبل الآخر وإذا رفض أحدهما يرفض الآخر".

وقدم العلام معطى (عرقيا) يقوي به فرضيته قائلا: "إن هناك توجها بإعادة العنصر الفاسي لقيادة الحزب (نزار بركة مثلا)، مما يحقق توازنا داخل الحكومة وداخل المشهد السياسي المغربي، بعدما لوحظ أن هناك زحفا أمازيغيا على رقعة اللعبة السياسية المغربية (أخنوش، ساجد، العثماني، العماري، لشكر..)، وهذا ما لا يرتضيه النظام السياسي المغربي، الذي يحب التوازنات ويتقن اللعب على أوتارها".

ورقة الأصالة والمعاصرة

واتفق الباحثان على أن نقطة حزب الأصالة والمعاصرة محورية في هذه الجولة من المشاورات، حيث اعتبر عبد الرحيم العلام أنه "من الوارد أن العدالة والتمنية أصبح على وعي بأنه لا فرق بين (التجمع الوطني للأحرار) و(الأصالة والمعاصرة)، وأن كلاهما يخدم نفس الأجندة".

وزاد العلام "أن ما يسميه ابن كيران (تحكما)، ليس له عنوان واحد، يتمثل في (الأصالة والمعاصرة)، وإنما لديه أحزاب أخرى واستراتجيات متعددة، لذلك يجب الخروج من الدائرة الضيقة التي وضعتها شخصية ابن كيران، والاستفادة من المرونة التي يتميز  بها العثماني".

من جهته سجل بودن أن رئيس الحكومة المعين، "يفهم أن فتح قناة الاتصال مع حزب الأصالة والمعاصرة يفتقد للمرجعيات والأسس ولكنه اضطراري لتجنب بعض التعقيدات، كما أنه لا يمكن أن تبقى الشروط كجلمود صخر لا يطرأ عليه أي تغيير وتظل المشاورات بدون بوصلة".

وأضاف: "السؤال هو هل سيتمكن العثماني من انتزاع موقف إيجابي من العماري في مستهل جولته التشاورية؟ رغم أن التحالف بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة يبدو هشا لتباعدهما بشأن أغلب القضايا المطروحة وطنيا بل أكثر من هذا أن العلاقة بين الحزبين تحتاج لمراجعة عميقة".

إلى ذلك يسود تفاؤل حذر بأن تنتهي الجولة الأولى من المشاورات، التي من المقرر أن تعقد صباح الثلاثاء، على نحو إيجابي لتنطلق على ضوئها مفاوضات حاسمة مع الأحزاب السياسية التي تريد المشاركة في الحكومة، وسط حديث عن مهلة ملكية لا تتجاوز 15 يوما.
التعليقات (0)