الهياج التركي ضد الدول الأوروبية سياسة متعمدة من رجب طيب أردوغان، الذي يريد تأجيج الشعور القومي عند مؤيّديه، ليحصد أكبر عدد من الأصوات في الاستفتاء الذي يجري يوم 16 نيسان المقبل، لإعطائه حكما رئاسيا يجعله سلطان سليم عصره.
هذا ليس خافيا، لكن خطورته السياسية لا تقتصر على طبيعة النظام الاستبدادي الصاعد في تركيا، بل على طبيعة النظام اليميني المتطرف الذي يتسلل على حساب الديمقراطية في الحوض الأوروبي، الذي طالما شكّل حاضنتها التاريخية.
بهذا المعنى قبل أن يحصد أردوغان في 16 من الشهر المقبل مشاعر هياج الأتراك ضد الأوروبيين، الذين يصفهم بأنهم "فلول النازية والفاشية والعنصرية"، سيحصد اليميني المتطرف غيرت فيلدرز زعيم "حزب الحرية" الهولندي، المزيد من الأصوات في الانتخابات التي تجري غدا الأربعاء، ما سيجعله في المرتبة الثانية، ثم سيأتي دور مارين لوبن في الانتخابات الفرنسية في نيسان المقبل، ثم دور حزب "البديل من أجل ألمانيا" وزعيمته فراوكه بيتري التي تحاول منافسة الحزب المسيحي الديمقراطي وأنغيلا ميركل.
لقد سعى مارك روته رئيس الوزراء الهولندي إلى التهدئة مع تركيا تماما، كما فعلت ميركل قبل يومين، لكن الهياج التركي لم يتوقف، بعدما منعت هولندا طائرة وزير خارجية تركيا من الهبوط ورحّلت وزيرة الأسرة اللذين كانا يريدان المشاركة في تجمعات للجالية التركية دعما لأردوغان، الذي لم يتوانَ عن إتّهام هولندا بالنازية والفاشية، ما دفع روته إلى اعتبار هذه التصريحات "مجنونة وغير لائقة"!
مشاكل أردوغان لن تتوقف عند حدود ألمانيا وهولندا، ذلك أن النمسا وأسوج والدنمارك على خط المواجهة معه، فها هو رئيس وزراء الدانمارك لارس لوك راسموسن يقترح على نده التركي علي يلديريم إرجاء زيارته للدانمارك بسبب التصعيد مع هولندا.
السيئ في كل هذا أن العلاقات بين تركيا والأسرة الأوروبية تتهاوى باستمرار منذ محاولة الانقلاب التركية في 15 تموز الماضي وانزلاق تركيا أكثر فأكثر نحو الحكم الاستبدادي، وخصوصا بعدما شملت الاعتقالات أكثر من مئة ألف تركي، وزاد تعقيدا قبل اعتقال أنقرة مراسل صحيفة "دي فيلت" الألمانية دنيز يوجيل بتهمة "الدعاية الإرهابية" وبأنه عميل و"يجب محاكمة ألمانيا".
واضح أن أردوغان يحاول معاملة الدول الأوروبية بطريقته الطاووسية المعروفة، وعلى رغم الاتفاق الذي أبرمه مع ميركل في شأن مشكلة العبور من تركيا إلى أوروبا، ظل دائما يهدد بإغراق أوروبا باللاجئين، وهو ما فاقم الخلاف العميق مع جيرانه، والذي يتصل أصلا بالشروط المطلوبة حيال ممارسة أنقرة ديمقراطية صحيحة تساعدها في الانضمام إلى الأسرة الأوروبية، لكن أردوغان لم يتردد يوما في رفع أصبعه في عيون الأوروبيين، قائلا: "نحن أسياد أوروبا"... والآن نرى الاستبداد في تركيا يغذي التطرف في أوروبا!