مقالات مختارة

تركيا في مواجهة اليمين الأوروبي المتطرف

1300x600
1300x600
دخلت تركيا في مواجهة واسعة مع اليمين الأوروبي المتطرف والكامن في ثنايا القارة الأوربية ومجتمعاتها، بدءا بألمانيا وليس انتهاء بالدنمارك، ورغم المحاولات الأوروبية لتبرير السياسات المتبعة لحظر دخول المسؤولين الأتراك للمشاركة بالحملات المرتبطة بالاستفتاء على الدستور التركي؛ باعتبارها انتهاكا لسيادة الدول الأوروبية، إلا أن الجانب اليميني المتطرف كان بارزا وفاضحا عبر عنه رئيس حزب من أجل الحرية الهولندي خيرت فيلدز، وهو أحد رموز اليمين الفاشي في أوروبا.

فالحجج التي قدمتها الدول الأوربية وعلى رأسها ألمانيا وهولندا لمنع الحملات التركية باعتبارها نشاطا ينتهك السيادة الأوروبية، يتناقض مع سلوكها في الانتخابات البرلمانية التركية العام الماضي؛ إذ قدمت مساعدات مالية وإعلامية لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي؛ كحزب تركي للوصول إلى البرلمان بل احتفتى به وكأنه حزب ألماني أو هولندي، موفرة له المنابر الإعلامية الأوروبية؛ في حين حرمت الحكومة التركية ومسؤوليها من الوصول إلى الجالية التركية التي يبلغ تعدادها أكثر من 5 ملايين نسمة؛ بل اتخذت مسارا أشد خطورة بتوفير ملاذات آمنة لجماعات انفصالية عنفية مناهضة للدولة التركية على رأسها حزب العمال الكردستاني.

أدخل الأوربيون أنفسهم في مأزق حقيقي، فمعركتهم مع تركيا أعادت إلى المشهد الموقف الغامض من محاولة الانقلاب الفاشلة ودعمهم جماعات انفصالية عنفية. كما كشفت عن حجم الهشاشة والمخاوف الداخلية في القارة الأوربية الناجمة عن صعود اليمين المتطرف، الذي بات قريبا من مراكز صنع القرار مهددا استقرار القارة ومستقبل الاتحاد الأوروبي؛ فالمزاودات بين الأحزاب الحاكمة التقليدية والمتطرفين في ألمانيا وهولندا واضحة سواء؛ بين حزب البديل الألماني المتطرف وجناحه الشعبوي البيغدا المناهضة للأجانب والحزب الاشتراكي المسيحي والديمقراطي المسيحي، وكذلك الحال بين الأحزاب الهولندية وحزب فيلدز الفاشي.

فهولندا التي فجرت أزمة كبيرة مع تركيا، يتوقع أن تخوض انتخابات برلمانية يوم 15 آذار الحالي مع توقعات بفوز الزعيم اليميني فيلدز وحزبه أكثر بـ20% من المقاعد، ليتحول إلى قوة مؤثرة تهدد بقاء هولندا في الاتحاد الأوروبي، بل تهدد استقرار الدول الأوربية المجاورة ووحدة أراضيها؛ خصوصا وأن بلجيكا تتوافر على طائفة هولندية كبيرة تعرف بالفلاندرز، التي تطالب بالاستقلال عن بلجيكا بين الحين والآخر. وحال هولندا لا يختلف كثيرا عن باقي الدول الأوروبية في النمسا وسويسرا، التي شهدت حوادث عنيفة هاجم فيها متطرفون بيض أجانب، إلى جانب مواطنيهم كان آخرها في مدينة بازل السويسرية.

المواجهة التي تخوضها تركيا مع اليمين الأوروبي وارتدادات صعوده في القارة، تحول إلى حملة ناجحة للحكومة التركية للدعوة إلى التصويت بنعم على الاستفتاء الدستوري يوم 16 نيسان القادم، بل خيار سياسي للتعامل مع التدخلات الأوروبية في الشأن التركي.

فالمواجهة الأخيرة بين تركيا وهولندا تفاعل معها الأتراك كقضية كرامة وطنية محتشدين خلف حكومتهم؛ إذ كشفت عن الجانب المظلم في القارة الأوروبية التي باتت ترزخ تحت ضغط اليمين الفاشي المتطرف، الذي باتت الأحزاب الأوروبية التقليدية تخشاه وتسعى إلى منافسته بالمزاودات السياسية الفجة. 

السبيل الأردنية
0
التعليقات (0)