«السلام ممكن.. وحان الوقت لإبرام اتفاق» هذا ما قاله شون سبايسر الناطق باسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إثر المكالمة الهاتفية التي أجراها الأخير مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ودعوته للقاء قريب جدا في البيت الأبيض، مكالمة طال انتظارها بعض الشيء، إلاّ أنها لم تكن تنطوي على مفاجأة كبيرة بالنظر إلى حملة السياسات التي أعلن عنها البيت الأبيض إزاء عدة ملفات طالت العملية السياسية الفلسطينية ـ الإسرائيلية، خاصة إزاء رؤية هذه الإدارة لحل الدولتين، أو المسألة الاستيطانية ومحاولات حكومة نتنياهو لضم رسمي لمستوطنات كبرى في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس، أو ملف نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، ملفات تبين أن رؤية البيت الأبيض إزاءها لا تتماثل تماما مع رؤية حكومة نتنياهو، رغم ما قيل ويقال عن تطابق هذه الرؤى، وشعور الفلسطينيين أن ترامب يقود سياسة هي الأكثر تأييدا للدولة العبرية، نتيجة لتأخر الاتصال الهاتفي والدعوة المشار إليها.
قبل شهر بالضبط، التقى رئيس المخابرات الفلسطينية اللواء ماجد فرج مع عدة مسؤولين أمنيين أمريكيين في العاصمة الأمريكية واشنطن، في وقت لم يكن البيت الأبيض قد عين وزيرا للخارجية، كان هذا أول اتصال فلسطيني مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وباعتقادي أن هذا اللقاء هو الذي مهد للمكالمة المشار إليها، التي تعتبر الاتصال الثاني بين الجانبين، بخلاف ما أشارت إليه وسائل الإعلام، بما فيها الفلسطينية، إثر الاتصال الأول، وإذا كان فرج قد ناقش مسائل ذات طبيعة أمنية مع الجانب الأمريكي، فعلى الأرجح أنه تم تناول مخاطر دعم أمريكي لسياسات إسرائيلية من شأنها أن توسع دائرة الأخطار الأمنية في المنطقة، انطلاقا من الأوضاع تحت الاحتلال الإسرائيلي، سواء لجهة السياسة الاستيطانية أو نقل السفارة، مخاطر ليس بإمكان أحد السيطرة عليها أو الحدّ منها، وتأثير ذلك على عموم الأمن في المنطقة الأكثر سخونة ولهيبا في العالم.
دون أن نستثني من اللقاءات، اجتماع سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، نيكي هالي قبل 24 ساعة من المكالمة المشار إليها، مع مندوب فلسطين في المنظمة الدولية رياض منصور، ونعتقد أن هذا الاجتماع كان بهدف الإبلاغ عن النوايا الأمريكية المتعلقة بالاتصال مع الرئاسة من جهة، وشكل من أشكال وضع الفلسطينيين بجوهر السياسة الأمريكية تجاه الملف الإسرائيلي ـ الفلسطيني، إذ إن هالي، غرّدت، أيضا، حول هذا اللقاء قائلة: «على الفلسطينيين الاجتماع مع الإسرائيليين في مفاوضات مباشرة، بدلا من الاعتماد على الأمم المتحدة للتوصل إلى نتائج لا يمكن تحقيقها إلاّ عَبر الطرفين». وهذه التغريدة، بالغة الأهمية بقدر ما هي بالغة الخطورة، ويمكن القول إن هناك خشية من أن يكون ثمن الاتصال المباشر بين القيادة الفلسطينية والبيت الأبيض، تخلي الجانب الفلسطيني عن نوايا معلنة بالتوجه إلى مجلس الأمن مجددا لنيل عضوية كاملة لدولة فلسطين في المنظمة الدولية من جهة، ومتابعة مجلس الأمن لتنفيذ قراراته المتعلقة بوقف الاستيطان، مع العلم أن القيادة الفلسطينية باتت تدرك تماما، أن وضع كل خياراتها في السلة الأمريكية، سياسة باءت بالفشل الذريع ولم تحقق وقفا للاستيطان أو تخليا إسرائيليا عن السياسة الاحتلالية، خاصة أن السياسة الأمريكية المعلنة، قد تخلت نسبيا عن حل الدولتين، وهو الحل الذي يستجيب لقرارات المنظمة الدولية والمجتمع الدولي.
يقول ترامب في إحدى تغريداته على تويتر، إنه سيحقق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، من خلال مفاوضات مباشرة بينهما، بحيث لا تكون جيدة لطرف دون الطرف الآخر»، صحيح أن أية تسوية سياسية بحاجة إلى تنازلات من أطرافها، إلاّ أنه في الحال الإسرائيلية، وفي ظل ميزان القوى القائم، فإن أية تسوية إنما هي في واقع الأمر، ستفرض على الجانب الفلسطيني الذي سيطلب منه تنازلات أكثر مما بإمكانه أن يقدم، ما يعني أن عبارة ترامب السابقة، لا محل لها في الوضع السياسي الراهن وهي قد تشكل أُمنية ساذجة أكثر منها رسما لسياسة، إذا ما انتقلنا من ظاهر الكلام إلى جوهر الواقع.
وطالما تحدثنا عن موازين القوى، فإن هذا الاتصال الهاتفي، ودعوة الرئيس عباس إلى البيت الأبيض، يشكل بداية جيدة لحضور فلسطين كطرف في معادلة رسم سياسة أمريكية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ذلك أن حكومة نتنياهو، المستظلة بدعم إدارة ترامب المطلق لسياساتها، كانت ولا تزال ترغب في إملاء سياستها لتتطابق مع الرؤية الأمريكية، أو لتجعل من هذه الرؤية انعكاسا واستنساخا للرغبات والمواقف الإسرائيلية، اللقاء المرتقب في البيت الأبيض بين عباس وترامب، يشكل بالنسبة للفلسطينيين «تقييدا للقوة» حسب هنري كيسنجر، ففي ظل سياسة إسرائيلية احتلالية موغلة في انتهاز الفرص، وتشهر كل أسلحتها الأمنية والسياسية في وجه تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وبناء دولته، فلا بأس من محاولة تقييد هذه السياسات من خلال جملة من السياسات التي من شأنها كبح هذا التوجه، مهما كان ذلك ضئيلا، لا يمكن المراهنة على موقف أمريكي داعم للحق الفلسطيني، لكن علينا اختبار المراهنة على أن سياسة ترامب ليست كلها حمقاء!!
الأيام الفلسطينية