يواجه المهاجرون العرب إلى البلاد الأوروبية تحديات عدة يرى البعض أنها تعقّد اندماجهم في المجتمعات الجديدة. فبعد أن يتجاوز المهاجرون عقبات اللغة والإقامة والتأقلم والبحث عن مكان في سوق العمل، يظهر التحدي الثقافي بفعل اختلاف العادات وأنماط الحياة بين مجتمعات هؤلاء اللاجئين الأصلية ومجتمعاتهم الجديدة.
"
الهجرة أشبه بعملية ولادة جديدة، قد تكون مدخلا إلى عالم أفضل، لكنها بالتأكيد تحمل معها مصاعبها، وأخطارها أيضا"، وفق تعبير المغترب السوري المقيم في فرنسا، عماد العبار.
وبحسب العبار، فإن الأزمة لا تكون من جانب المهاجر عادة، بل من جانب المجتمع المضيف، حيث باتت المجتمعات الغربية أكثر تشنجا تجاه الثقافة والتقاليد العربية والإسلامية.
ويضيف العبار لـ"
عربي21": "معظم مجتمعات الغرب باتت لا تنظر بعين الراحة إلى أي سلوك يشير إلى ثقافة عربية أو إسلامية: من استخدام اللغة العربية في الشارع، إلى استهجان الاحتفاظ بالتقاليد والشعائر الدينية، كالصلاة بشكل أساسي، والنظرة العدائية إلى حجاب المرأة، واستحالة حصولها على فرصة عمل في كثير من الدول بسبب حجابها".
ويرى العبار أن هذا الواقع يخلق شعورا بالغربة في نفس اللاجئ، في لغته وشعائر دينه وتقاليده وهوية لباسه، "فيصبح أمام خيارين صعبين: إما الانطواء على نفسه والابتعاد عن المجتمع ولهذا المنحى أخطار كبيرة، أو التخلّي عن ممتلكاته الثقافية والإنسانية والذوبان، ويعيش بالتالي غربة داخل غربة"، وفق رأيه.
وفي مواجهة هذا الواقع
الاغترابي، يشير عماد العبار إلى دور العمل الجماعي المنظم من قبل المغتربين العرب والمسلمين؛ لاحتضان اللاجئ واستيعاب احتياجاته الثقافية، وحمايته من التلاشي، ومن ثم مساعدته على التأقلم مع نظام الحياة والعمل، والقيام بفعاليات اجتماعية وثقافية للتأكيد على أحقية احتفاظ اللاجئ بلغته وثقافته، بوصفها مكونات إنسانية لا تقل أهمية عن مطلب الأمان الذي جاء ينشده اللاجئ في الغرب".
فرص إيجابية
وعن ذات التحديات الثقافية، يتحدث رائد العطل، وهو أكاديمي فلسطيني مقيم في بريطانيا، لكنه ينبه إلى أن هذه التحديات تتحول إلى فرص إيجابية.
وعلى سبيل المثال، "فإن الحفاظ على تدين الأبناء يشكل هاجسا يدفع المغترب إلى الحرص على مظاهر التدين أكثر من حرصه عليها في بلده، فيتحول التحدي إلى عامل إيجابي"، وفق العطل.
ومن التحديات "الإيجابية" الأخرى وفق العطل، ما يتعلق بالمظاهر السلوكية، "فالصدق والقدرة على اتخاذ المواقف الواحدة في ظل تعدد الخيارات والثقة بالنفس والأمانة والالتزام بالوقت واحترامه والإيفاء بالوعود؛ كل هذه تحديات للمواطن العربي الذي لم يتعود على ممارسة بعض هذه السلوكيات أو جميعها"، كما يقول.
ويذكر العطل من الجوانب الإيجابية الأخرى للاغتراب؛ اكتساب المواطن العربي بعض العادات الحسنة، مثل القراءة التي يجد نفسه مضطرا لممارستها في الغرب؛ لأنها جزء أصيل من الثقافة الغربية، في حين أنه لم يتعود على ذلك في بلده.
وينتقد العطل في حديثه لـ"
عربي21" انعزال العرب في بلاد الغرب، وتكوينهم ما يسمى بـ"الجيتو المنعزل عن المجتمع، فتراهم يتزاورون فيما بينهم ويقضون معظم أوقاتهم مع بعضهم البعض، وهو ما يمنع اندماجهم الحقيقي في المجتمع"، وفق رأيه.
الدين والهوية
من جانبه، يرى هيثم الحموي، المغترب السوري في بريطانيا، أن الاحتكاك الاجتماعي مرتبط بالهوية الدينية، وأن "العائق الرئيس للاندماج المقبول مع المحيط الجديد هو بعض المحظورات الدينية، كالخمر ونوع الطعام، وهو ما يبقي كثيرا من العلاقات بين العرب والمواطنين الأصليين مرتبطة، بالعمل ونادرا ما تتجاوزها لزيارات عائلية".
ويلفت الحموي، في حديث لـ"
عربي21"، إلى مشكلة الأجيال، إذ "يبقى انتماء الجيل الأول من المهاجرين العرب إلى بلدانهم الأصلية أقوى بكثير، بينما الجيل الثاني أو الثالث يشعر بالانتماء إلى بلد الاغتراب أكثر لكن تبقى الهوية الدينية مذكرة بالاغتراب".
ويضيف الحموي أن "العرب كغيرهم من الأقليات يجنحون إلى التواصل أكثر مع أبناء جلدتهم ولغتهم، ويحاولون المحافظة على هويتهم وهوية أولادهم عن طريق المدارس التكميلية العربية والإسلامية".
أما نوال السباعي، الكاتبة السورية المقيمة في إسبانيا منذ أكثر من 30 عاما، فتشخص مشكلة
الاندماج بأنها "لا تكمن في هويتنا الحضارية الجامعة، وإنما في هوياتنا الثقافية المُفَرِقة البالية".
وتضيف السباعي لـ"
عربي21": "هويتنا الحضارية الإنسانية الأخلاقية تساعد على بناء الجسور مع الآخر، كائنا من كان، أما ثقافاتنا المحلية غير الأخلاقية، فإنها معول هدم ذات، كما للعلاقات مع الآخرين"، وفق رأيها.
الاختيار الذاتي للمغترب
من جهته، يرى قيس قدري، المغترب الفلسطيني في السويد والذي شغل في السابق موقع المستشار لدمج المهاجرين في السويد؛ أنه "لا يوجد اغتراب سهل، خصوصا إذا كان المجتمع الجديد مختلفا كثيرا في عاداته وتقاليده عن تلك التي درج عليها الإنسان طوال حياته قبل أن يخطو إلى غربته".
ويرى قدري، في حديثه لـ"
عربي21"، أن الحفاظ على الهوية الوطنية يعتمد بالدرجة الأولى على سقف الحرية في بلد الاغتراب، فإذا كان مرتفعا كما هو الحال في السويد وأغلب المجتمعات الغربية، فإن القانون يحمي حق التعبير عن المشاعر الوطنية وحتى التفاعل مع الأحداث والمتغيرات التي تحصل في الوطن الأم"، وفق قوله.
ويؤكد قدري على دور الاختيار الذاتي للمغترب، "فالمجتمعات الغربية هي مجتمعات علمانية بنسبة تفوق 80 في المئة، أما الشباب (المهاجر) فإن منهم من يصاب بصدمة حضارية، ومنهم من يندمج بشكل تدريجي في المجتمع الجديد".
ويضيف: "كل شيء متاح من الجنس إلى المخدرات إلى الدخول في عالم السياسة والتجارة والوصول إلى أعلى المراتب. كل هذا مرهون بالشخص نفسه"، كما يقول.