لا شك أن ثورة الإنترنت قد وفّرت للبشرية وسيلة غير مسبوقة للمعرفة، وسهلت الوصول إلى المعلومة، ما جعل منها (الإنترنت) الوسيلة الأهم للمعرفة، والمصدر الأكثر استخداما للحصول على المعلومة.
لكن القصة لم تقف عند هذا الحد؛ فقد وفرت الإنترنت أيضا مجالا واسعا لبث الأخبار الكاذبة والمعلومات الزائفة، ما أدى إلى خلط الأوراق والحد من قدرة الناس على تمحيص الحقيقة من الزيف. ومن ثم، أصبحت الإنترنت، في كثير من الحالات، وسيلة لنشر الجهل والخرافة والأخبار الكاذبة. فقد انتقلت هذه الظاهرة من مربع العشوائية إلى المأسسة، وأصبح الكثير من الدول والمؤسسات ينشئ أقساما كبيرة ومتطورة تنفق عليها بسخاء، لتقوم بفبركة ونشر الأكاذيب الإلكترونية التي صارت سلاحا مهما في الحروب المستعرة.
وفي ظل تعذر فرض رقابة على ما ينشر على الإنترنت، وصعوبة اتباع منهج علمي نقدي لتمحيص المعلومات من قبل العامة، بات لزاما على العلماء البحث عن طرق غير تقليدية قد تساهم في الحد من انتشار الأكاذيب، ومساعدة المتصفح للمواقع الإخبارية المختلفة في تمييز الغث من السمين، وكشف الزيف الذي بات يغرق هذه المواقع.
جاءت المبادرة هذه المرة من قبل مجموعة من الباحثين من ثلاث جامعات بريطانية وأميركية مرموقة؛ حيث قاموا بإجراء بحث على آلاف الطلبة الأميركيين، من خلال تعريض جزء منهم لمعلومة صحيحة تستند إلى الأدلة العلمية، قاموا بتطعيمها بتفنيدٍ لمعلومة أخرى مضادة ومختلقة. ومن ثم قاموا بقياس مدى تأثر الطلبة بالمعلومة المزيفة حال تعرضهم لها لاحقا.
لقد وجد العلماء أن هذه المعلومة الصغيرة التي تم تمريرها بطريقة قد لا تكون بائنة، كوّنت مناعة عند هؤلاء الطلبة حمتهم من تصديق المعلومات المفبركة؛ في محاكاة لتطعيم الإنسان بجزء من الفيروس لتكوين مناعة ضده حال التعرض له مستقبلا.
تتشابه الأخبار الكاذبة مع الفيروسات في الكثير من الخصائص، مثل: سرعة الانتشار، والانتقال بين البشر، والتصاقها بالذاكرة، وتغيير أشكالها للتغلب على دفاعات الإنسان، وصعوبة التخلص منها. لذلك، كان من المنطقي أن يحاول العلماء تكوين مناعة ضدها بطريقة تحاكي تكوين المناعة ضد الفيروسات.
لن تستطيع طريقة واحدة بمفردها التصدي للكم الهائل من الكذب المتفشي على الإنترنت كالوباء. لكن محاولة تحصين الأفراد ضده باستخدام هذه الطريقة غير التقليدية، قد تساهم في تكوين مناعة لديهم إلى أن يطور ناشرو هذه الأكاذيب أساليب جديدة للتغلب على هذه المناعة.