يفيد الجدل العقيم المتواصل، ليس الآن بل منذ سنين، بجملة خلاصات لعل أهمّها أن انعدام الوفاق الوطني وتضارب المصالح والأهداف يرجّحان استحالة التوصّل إلى قانون للانتخاب ينصف جميع المكوّنات ويحظى بموافقتها. لكن الأكثر إقلاقا هو وجود مرجعيات ترعى الانقسامات وتعمل على استثمارها، في مقابل غياب أي مرجعية تحمي الحدّ الأدنى من الوفاق وتهتمّ بتطويره، إذا وجد، أو تسعى إلى استنهاضه تحصينا للدولة والعيش المشترك، إذا لم يوجد. فلكلٍّ من الرئاسات وجهة نظر مختلفة في قانون الانتخاب. وعلى قاعدة رفض مفهوم للقانون الحالي، ورفض واجب ومنطقي للتمديد، وتهديد رئاسي غير مفهوم وغير منطقي بـ"الفراغ"، أفضى الجدل إلى نتيجة صفرية يتحمّل الجميع مسؤوليتها: لا قانون جديدا، إذًا لا انتخابات... أي أن العودة إلى الفراغ باتت بين "الخيارات"، وقد ثبت في تجربة الشغور في منصب الرئاسة أن طرفاً واحداً يستفيد منه، وهو "حزب الله".
لا تكمن صعوبة الاتفاق على قانون الانتخاب في المحاصصات ومعادلاتها فقط، بل في الأجندات الخفية وراء هذا القانون. فالخيار/ أو اللاخيار بين "الفراغ" و"القانون الجديد" شبيهٌ جدّا بالخيار/ أو اللاخيار بين "الشغور" و"عون رئيساً"، وإذا كان الثاني حُلَّ بتسوية صعبة فإن حلّ الأول بتسوية مماثلة يبدو أكثر صعوبة. لماذا؟ لأن اللعبة إياها مستمرّة باستمرار تحالف "حزب الله" - "التيار العوني"، وهدفها ترتيب أي وسيلة لتغيير النظام: إمّا بـ "الفراغ" الذي يستدعي مؤتمراً تأسيسياً يؤدي الى تعديل اتفاق الطائف واستطرادا الدستور، أو بانتخابات (وفقاً لقانون مفصّل خصّيصاً) توفّر لطرفَي "التحالف" غالبية طائفية - سياسية بديلة من "الميثاق الوطني" لتمكينهما من التحكّم بمجلس النواب والحكومة وبالتالي اجراء التعديلات المتوخّاة. ويبدو أن هذا هو السيناريو الوحيد الذي يتصوّره "حزب الله" ليس فقط لعودته الآمنة من سوريا، بل لـ"مكافأته" على هذه العودة.
لكن الطريق ليست ممهّدة أمام "حزب الله" و"التحالف العوني" للهيمنة على البلد وتحقيق هذه الأجندة. فالأطراف الداخلية الأخرى لا ترى مصلحة في اختلال ميزان القوى على هذا النحو، كما أن المتغيّرات الإقليمية لا تدفع باتجاه تسليم البلد إلى "حزب الله"، أي إلى إيران. على العكس، تزداد المؤشّرات إلى تقاطع سياسي دولي - إقليمي عند الحدّ من التمدّد الإيراني، وإلى أن أي توافق روسي - أمريكي في شأن سوريا سيقضي بتقليص نفوذ إيران، وبالتالي فإن خروج "حزب الله" سيكون اضطراريا وإجباريا، ولن ينفعه التأزيم بإشعال اقتتال فلسطيني في هذا المخيّم أو ذاك، ولا باستدعاء حرب مع إسرائيل، ولا طبعا بطرح شروط تعجيزية بالنسبة إلى الانتخابات وقانونها. وفيما يحاول العراق النأي بنفسه، مع كل الهيمنة الإيرانية عليه، هل ثمة مصلحة لأحد بأن يكون لبنان في المرحلة المقبلة طرفاً في صراع إيراني - دولي؟