يمر علينا ذكرى مائة عام على إعلان وعد بلفور منح اليهود وطنا في أرض فلسطين، ومنذ ذلك الحين والعرب، الذين كانوا آنذاك أمة واحدة بلا حدود ولا قيود سياسية بينهم، يعتمدون على الحرب الخطابية ضد الآخرين وضد بعضهم البعض، فيما غالبية دول العالم سعت منذ ذلك الحين لتعزيز وحدتها وقوتها العسكرية ودخولهم سباق التسلح غير التقليدي، وحتى اليوم يتذكر العرب إسم بلفور ولا يعلمون كيف صدر القرار.
يمكن القول إن الإعلان الذي أصدره وزير الخارجية البريطانية آرثر بلفور، هو كما وصف بوعد من لا يملك لمن لايستحق، ولكن في قراءة سريعة نجد أن الدافع وراء الوعد كان العمل الحثيث لليهودي المشهور ليونيل روتشيلد، أحد أبناء أسرة روتشيلد التي لا تزال أحد أقطاب القوة المالية في العالم والمتحكمة بمفاصل القرار الاقتصادي العالمي، حيث تم دفع ثمن الوعد الشرير قبل إعلانه بسنوات، وروتشيلد هو من استقبل بشرى بلفور، فالمال كان ولا يزال هو ما يحقق الطموحات السياسية والاستعمارية، فيما نحن نبدده ضد مصلحتنا.
العرب اليوم ليسوا بأفضل حال منذ مائة عام، فرغم النهوض الاقتصادي والثقافي للعالم العربي ما زالت السياسة تشكل أنهارا من النار تفصل بين تلك الجزر المتباعدة التي تمثلها الدول العربية التي لا تفصل غالبيتها أي فواصل طبيعية، بل إن دولنا ظهرت على شكلها اليوم وهي في الأصل جزء من أراض مجاورة، قسمها الوزيران سايكس وبيكو على الورق وأسسناها نحن على الأرض كبناء المساكن المتجاورة، وعادت الغزوات بيننا بشكل أكثر تطورا وأبشع استخداما للغايات.
إن النظر الى الحالة العربية اليوم يؤدي إلى الأسف والحسرة لما وصلت إليه بلادنا، فرغم نزعتنا العربية العالية، وتعدادنا السكاني الفائق، وقيادتنا للعالم الإسلامي أيضا، لا نزال نخضع للمؤثرات الدولية علينا، فهل يعقل أننا لا نزال مرتهنين للقرار الروسي والأمريكي والأوروبي والإيراني، ونطلب الدعم والمساعدة من تلك الدول لحل مشاكلنا، فيما نحن نستطيع حل أكثر مشاكلنا حين تتوفر الإرادة السياسية لدى الحكام والمسؤولين، وحين نقف مع بعضنا بعيدا عن التجاذبات السياسية والغايات، وحين نفهم أن الغرب والشرق لا ينظرون لنا على أننا طبقات، دولة أفضل من الأخرى بل إنهم يروننا فريقا واحدا من الأشقياء.
كيف نتوقع مستقبلا أفضل وأجمل لأجيالنا، ونحن لا نستطيع فعل شيء لحل الصراع في سوريا، ولا نملك الجرأة لنقول إننا لا نريد هذا ونريد ذاك ، كيف ننتظر روسيا وتركيا وإيران أن يجروا عملياتهم نيابة عنا لإنقاذ ذلك الجسد السوري المثخن بالجراح دون أي نتيجة منذ ست سنوات، وكيف ننتظر حلا في العراق ينهي هذا الجنون الذي أصاب الفرقاء والدكتاتورية التي تورثها زعماء الحكم الجديد في بغداد التي أحكمت إيران سيطرتها عليها وعلى قراراتها، وكلنا يعلم ذلك ونبقى ننافق.
إن الثروات العربية يجب أن تتجه إلى دعم وعد عربي جديد بحماية هذا العالم العربي وتخليصه من بؤسه ودماره، وعلى السياسة العربية أن تلعب دورها في الوفاق والاتفاق ، فلا يتعذر أحد بأمريكا وإيران وغيرهما، فنحن من نملك التغيير،فهل يستطيع العرب الاتفاق على قرار واحد لحضور قمة عمان مثلا،ومفاجأة شعوبنا بالتغيير نحو الأفضل.