لم يكن لعادل، 45 عاما، خيار آخر غير أن يدفع بابنه الأوسط جميل الذي ما يزال طفلا إلى
العمل في ورشة لصناعة الألبسة الجاهزة، فما يتقاضاه عادل الموظف الحكومي من راتب شهري، لا يكفي لسد حاجات أسرته المكونة من خمسة أفراد، من المأكل والمشرب والملبس وغيرها من متطلبات الحياة المرتفعة الثمن في مدينة حلب.
ويبلغ مرتب عادل الشهري 35 ألف ليرة سورية (حوالي 163 دولارا)، بينما قدرت دراسة اقتصادية أعدت العام الماضي الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة السورية بأكثر من 170 ألف ليرة سورية (حوالي 790 دولارا).
لعادل ابن أكبر من جميل، لكنه سيق إلى الخدمة الاحتياطية في جيش النظام، قبل نحو عامين من الآن، عندما ضبطته دورية للشرطة العسكرية، أثناء ذهابه إلى عمله في محل لبيع الإلكترونيات بالجملة في منطقة العبارة وسط حلب.
ويواظب جميل البالغ من العمر 13 عاما، على عمله مدفوعا بما يسميه "الواجب العائلي"، لأن عائلته بحاجة إلى الـ12 ألف ليرة سورية (55 دولارا) التي يتقاضاها شهريا من الورشة، أكثر من حاجتها إلى ذهابه للمدرسة.
لا أطفال في سوريا
قبل دخول البلاد في الأزمة، كما يحلو لعادل تسميتها، كان يعارض وبشدة ظاهرة عمالة الأطفال، لكنه الآن متيقن بأنه "لا أطفال في سوريا، لأن الطفولة لها عالم آخر بعيدا عن هنا".
يقول لـ"
عربي21": "من الأفضل لجميل أن يعمل ويتعلم مهنة على أن يرتاد المدرسة، لأننا نعيش في زمن غير واضح المستقبل"، مضيفا: "لست سعيدا لذلك ولا أعلم إن كان خياري صحيحا، لكن هذا هو الواقع في هذه المدينة التي تشهد ارتفاعا في سعر كل شيء، ما عدا الإنسان".
20% زيادة
ذكرت صحيفة محلية، أن ظاهرة عمالة الأطفال في سوريا ارتفعت خلال سنوات الحرب إلى نحو 20% في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري.
ونقلت الصحيفة في تقريرها الذي نشرته قبل أيام عن رئيس القسم الجزائي في كلية الحقوق بجامعة دمشق، عبد الجبار الحنيص، دعوته إلى ضرورة تشديد العقوبة لتصل إلى الحبس لكل أب يجبر ابنه دون سن الثامنة عشرة على العمل، بدلا من الغرامات المالية التي تتراوح ما بين 2- 10 آلاف ليرة سورية، التي يتعامل بها القانون السوري مع المخالفات المتعلقة بعمالة الأطفال.
الظاهرة في اتساع
وأكد الباحث الاقتصادي منذر محمد الذي شكك بالرقم الذي ذكرته الصحيفة سابقا، أن "عمالة الأطفال تنتشر بشكل واسع في مناطق سيطرة النظام".
وأوضح محمد في حديث لـ"
عربي21": "تعاني مناطق سيطرة النظام من نقص حاد في أعداد الرجال والشباب، نتيجة لأسباب متعددة من أهمها، الهجرة، ومشاركتهم القسرية، أو الطوعية في المعارك، ما يجعل من الأطفال اليد العاملة الوحيدة المتبقية".
وتوقع الاقتصادي زيادة في نسبة تشغيل الأطفال، سيما وأنه لا بوادر لحل جذري للقضية السورية، علاوة على اتساع دائرة
الفقر في المجتمعات السورية، نتيجة لاستنزاف مدة الحرب الطويلة للشرائح التي كانت تصنف على أنها متوسطة اقتصاديا.
كما أشار محمد إلى فقدان آلاف الأسر السورية للمعيل، وقال في هذا السياق: "يترتب على كل مقتول جديد، دخول طفل أو أكثر في سوق العمل، ما يعني أننا أمام ظاهرة مخيفة، تهدد بحرمان أجيال سورية قادمة من حقها بالتعليم".
ماذا عن مناطق المعارضة؟
وعن حجم انتشار هذه الظاهرة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، يرى محمد أن الوضع أسوأ بكثير من مناطق النظام، لأن تعطل المدارس في هذه المناطق بدأ مع بداية الثورة، بسبب استهداف النظام للمدارس في كل المناطق الخارجة عن سيطرته.
وبحسب محمد، فإن الحديث عن ظاهرة عمالة الأطفال في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، "لم يعد حديثا عن ظاهرة، بقدر ما هو حديث عن واقع مألوف واعتيادي"، مبينا: "تغيب التنمية كليا عن هذه المناطق، وإن وجدت بعض الأعمال فهي بأجور متدنية".