لا يمكنني أن أستخدم مصطلح (السلفية الجهادية) الفضفاض والذي ينسب نفسه لمفهوم الجهاد بما له من دلالات إيجابية في التراث الإسلامي والإنساني بشكل عام حول صورة المجاهد الذي يضحي بروحه من أجل فكرة أو مبدأ أو عقيدة أو وطن، فحين يعتبر الباحثون على سبيل المثال تنظيم الدولة (داعش) من السلفية الجهادية فهذا إهانة لفكر السلفية ولمفهوم الجهاد وإساءة للدين نفسه!
يُعرف البعض تيارات (السلفية الجهادية) بأنها جماعات أو أفراد حملوا فكرة رفع السلاح ضد الحكومات التي يرونها لا تطبق شرع الله ولا تعترف بالحاكمية وأحكام الولاء والبراء ونظرية العدو القريب والعدو البعيد وضرورة محاربة الطاغوت بكل صوره في الداخل والخارج لإقامة دولة الإسلام المركزية التي يدين العالم كله لها بالولاء وتنقسم البشرية فيها لمسلمين وكفار فقط وبينهما مرتدون ممن يدينون بالإسلام لكن لا يتبعون هذا المنهاج. الأدبيات الشهيرة التي صاغها المنظرون لهذه الفكرة مثل أبو محمد المقدسي أو أبو قتادة الفلسطيني أو أبو مصعب السوري امتدادا وتطويرا لأفكار سيد قطب وأبو الأعلى المودودي وكذلك رموز الجماعة الإسلامية في مصر الذين برزوا على الساحة في أواخر الثمانينيات والتسعينات قبل أن تسحقهم السلطة ويتحولوا لمراجعات فكرية تحت إشراف السلطة ساهمت في خروجهم من المعتقلات.
بعد بروز التنظيمات التي تنتسب لهذا التيار في دول الربيع العربي كسوريا وليبيا ومصر ومن قبلهم العراق يجب تحرير مصطلح (السلفية الجهادية) واستبداله بمصطلح آخر يكون ملائما لتوصيف جماعات مثل داعش والنصرة وأنصار بيت المقدس وغيرهم من التنظيمات المماثلة.
الدور السلبي الذي قامت به هذه التنظيمات ساهم في ترسيخ الاستبداد وإعطائه المبررات للاستمرار بالتوازي مع ضرب الحراك الثوري وتشويهه، النموذج السوري مثال واضح لما جناه هؤلاء على الثورة وعلى الإسلام نفسه، بدأت الثورة السورية بحراك مدني سلمي حولته وحشية نظام بشار لحراك وطني مسلح من خلال الجيش الحر ومجموعات وطنية تسلل إليها أفراد وضعوا على عاتقهم (تديين الثورة السورية) وصبغها بلون ديني وطائفي بعيدا عن البعد الوطني وتوافدت مجموعات من هؤلاء إلى داخل سوريا عبر العراق وتركيا وفي 2012 تم الإعلان الرسمي عن تأسيس (جبهة النصرة) التي أعلنت بيعتها للظوهري كممثل لتنظيم القاعدة العالمي بعد نقض بيعتها لأبي بكر البغدادي وترك ما عُرف بال (مجلس شورى الجبهة) الذي كان يضم البغدادي (الخليفة المزعوم) والجولاني مؤسس النصرة والذي كان عضوا عاملا بفرع العراق واختلف مع البغدادي وطلب تحكيم الظواهري الذي أقره على ما قرره من انفصال عن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق (داعش فيما بعد).
حولت جبهة النصرة ومجموعات مشابهة لها الصراع في سوريا إلى صراع ذي صبغة دينية وطائفية وقاموا بنشر فكرة مطلب تحكيم الشريعة إلى مطلب شعبوي يستنهض العاطفة الدينية للسكان المحليين وعبر استغلال الجهود الإغاثية وسلسلة مدارس شرعية ودور لتحفيظ القرآن في المخيمات والمدن التي خارج سيطرة السلطة بدأ خطاب ديني متطرف يتصاعد وينمو ويجذب الآلاف من الأنصار الجدد الذين أعجبهم هذا النموذج الذي حظي بدعم مالي وعسكري إقليمى ساعده على تصدر المشهد وإقصاء وإضعاف التيارات الوطنية مثل الجيش الحر وغيره من المجموعات الثورية التي كان هدفها بناء دولة وطنية ديموقراطية تتسع لجميع المواطنين بلا تمييزولا إقصاء لأحد.
وقعت الفصائل السورية المعتدلة في فخ ممالأة هؤلاء واعتبار أن عدو عدوي صديقي فإذا به يتحول للنهش في هؤلاء وتسليمهم للنظام بشكل عام، كثير من المدن التي سقطت كان سبب سقوطها أن داعش والنصرة وأشباههم يضربون في الظهر من يدافعون عنها، فيفجرون بيوتا يجتمع فيها مناضلون حقيقيون ويفخخون مقرات بها اجتماعات تنسيقية للتوحد وترتيب الصفوف، حاربت داعش والنصرة في صفوف النظام السوري ولم تحارب لصالح الشعب السوري الذي لم يجن من وراء هؤلاء سوى الموت والسقوط في قبضة السفاح بشار الأسد.
شقت داعش والنصرة (القاعدة) صفوف الثورة السورية بالتخوين والمزايدات والتطرف وتبنى خطابات (مختلة عقليا) تقرر إعلان الحرب على العالم كله وتمارس وحشية لا مثيل لها ضد من لا يخضعون لتوجهاتها وأوامر زعمائها، كان علم الثورة السورية الوطنية يضايقهم فيسرعون لحرقه ورفع أعلامهم السوداء ويلاحقون كل الثوار الوطنيين ويرمونهم بالخيانة أوالرصاص، قاموا باستنزاف الفصائل الوطنية الثورية وحين كانت ساعات الجد تلوح في الأفق كانوا يسرعون بالفرار كالفئران المذعورة ليتقدم النظام ويسحق أمال الشعب السور في الحرية.
انتصر بشار الأسد حين استطاع إقناع العالم أن خصومه في سوريا هم فقط (تنظيم داعش) و(تنظيم القاعدة) ليتحول إلى الملاك الذي يستحق الدعم الدولي، لم يعد كافيا فقط تحرير ومراجعة مصطلح السلفية الجهادية بل يجب على كل من يستطيع ، أن يفند هذا الفكر المختل ويدحض مزاعمه ليتوقف انتشاره في صفوف الشباب في كل بقعة من الأرض، يحتاج أمثال بشار وجود هؤلاء ليستمروا في قمع شعوبهم وقتل حريتهم بينما سيجد العنصري المتطرف المأفون ترامب مزيدا من الأنصار في حربه ضد الإسلام طالما كان هؤلاء المختلون هم الذين يتحدثون باسم الإسلام ويقومون بتبغيض البشرية كلها في هذا الدين.
عدو عدوي ليس بالضرورة أن يكون صديقي، بل قد يكون أشد خطرا، من تعاطفوا مع داعش والنصرة تحت أي مسمى وأي مبرر مدعوون اليوم لمراجعة أنفسهم، سحقا للتطرف والغلو، وعلى الجميع أن يتعلم مما مضى في كل بلادنا العربية مع اختلاف التجارب التي مرت بها أقطارنا في رحلة البحث عن الحرية.
1
شارك
التعليقات (1)
Dr. Walid Khier
الثلاثاء، 14-02-201712:43 م
لا يا شيخ؟ بقي الجماعات السلفيه هي من ضربت الربيع العربي أم هؤلاء الذين يحسبون علينا "نخبه" تارة يصفون أنفسهم ليبراليه و تارة مدنيه هم من افشلوا التجارب الديمقراطيه و تعاون منهم جزء كبير مع العسكر للإنقضاض علي السلطه؟