في العام العاشر لاشتراك مصر في حصار غزة، خرج الغزازوة في مسيرات فرح حاشدة، عبر المشاركون فيها عن بهجتهم لفوز المنتخب المصري على فريق بوركينا فاسو في مباراة الأربعاء الماضي، وتأهل مصر لمباراة نهائي كأس أفريقيا التي تجري اليوم، كان ذلك آخر ما يخطر على البال؛ لأنني لم أتوقع أن ينسيهم الفوز في مباراة لكرة القدم كآبة ومعاناة سنوات الحصار.
ولست أخفي أنني لم أصدق الخبر إلا حينما شاهدت بأم عيني تهليل جماهير القطاع وصيحاتهم حينما نجح الحضري في صد آخر ركلات الترجيح.
استغربت مشهد الترقب القلق أثناء ركلات الترجيح، وكان انفجار فرح المشاهدين عندما تأكد فوز المنتخب المصري مفاجئا؛ إذ لم أجد فرقا بين صدى الفوز في غزة وبين فرحة المصريين في القاهرة والإسكندرية والمنصورة وغيرها. الأمر الذي يسوغ لي أن أقول إنه إذا كانت فرحة لاعبي المنتخب المصري هي أهم صور الأسبوع الماضي، فإن لقطات فرحة الغزازوة تأتي بعدها مباشرة في الأهمية. ولا أستغرب فرحة المصريين بطبيعة الحال، لأنها مفهومة ولا مفاجأة فيها.
دفعني الفضول إلى تتبع خلفيات ما جرى في القطاع، الأمر الذي كشف لي عن مجموعة أخرى من المفاجآت. منها مثلا أنه في حين تولت المقاهي في مصر بث المباراة التي تم تشفيرها، ووجدتها فرصة للتكسب ومضاعفة الربح، فإن المجلس الأعلى للشباب والرياضة في غزة هو الذي تبنى عملية البث؛ إذ قام بتوفير شاشات كبيرة في ميادين محافظات القطاع؛ لتمكين الجماهير من متابعة المباراة.
منها أيضا أن الذي قام بتنسيق العملية عضو المجلس عبدالسلام هنية، الابن الأكبر للسيد إسماعيل هنية، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ورئيس الوزراء السابق، من المفاجآت أيضا أن ترتيب الأمر وتنسيق البث تم بالتفاهم بين رابطة مشجعي نادي الزمالك ورابطة محبي وعشاق النادي الأهلي. وهو ما استغربت له، لأنني تصورت أن معاناة الغزازوة وعتابهم على مصر أصاب بالوهن أواصر كثيرة، منها التعلق بأنديتها الرياضية.
لا أبالغ إذا قلت إن الصورة التي ظهرت في مباراة الأسبوع الماضي أطلعتنا على ما لم نره أو نتوقعه في غزة. ذلك أن صورة القطاع في الذاكرة المصرية -على الأقل في السنوات الأخيرة- لها قسمات مختلفة تماما. إذ ظل يقدم للمواطن المصري باعتباره مصدرا لتهديد الأمن، وتهريب السلاح وملاذا للمتطرفين والإرهابيين، ولا ينسى أن أحد وزراء الخارجية في عهد الرئيس مبارك (الأمين العام لجامعة الدول العربية الحالي) هدد بكسر رجل أي غزاوي يحاول عبور الحدود عند رفح.
ترتب على تلك التعبئة الإعلامية أن غزة لم تعد تذكر بخير في وسائل الإعلام، أما الغزازوة فقد أصبحوا فئتين في الذاكرة المصرية، فهم إما ميليشيات عاملة تتآمر على أمن مصر أو ميليشيات أخرى منتسبة وتحت التمرين، تجهز لتلك المهمة. ثم إن الجميع طامعون في سيناء للتمدد فيها والإفلات من قبضة الاحتلال الإسرائيلي.
الصور التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي في الأسبوع الماضي فاجأتنا بأن غزة التي في الإعلام المصري مختلفة بالكلية عن غزة التي على أرض الواقع. وبصورة غير مباشرة فإن بهجة الغزازوة ومسيراتهم الفرحة كانت بمثابة تكذيب عملي لكل الدعايات السوداء التي جرى الترويج لها عبر وسائل الإعلام المصرية، ولعب فيها الأداء التلفزيوني دورا مشينا.
قال لي أحد الأصدقاء الفلسطينيين إن الغزازوة فئتان حقا، لكنها واحدة مصرية بالنسب والأخرى مصرية الهوى، لكن حسابات السياسة تتجاهل الاثنتين؛ إذ لا ترى سوى التقاطع المؤدي إلى الخصومة، والخصومة في العالم العربي باب يؤدي بالضرورة إلى الشيطنة التي تتولاها وسائل الإعلام.
يستحق المنتخب المصري الشكر مرتين؛ مرة لأنه أشاع الفرحة في ربوع مصر، ومرة ثانية لأنه أتاح لنا أن نكتشف الوجه الحقيقي لغزة، الذي رأيناه مسكونا بالمودة والمحبة الصادقة.
2
شارك
التعليقات (2)
سامي
الأحد، 05-02-201702:30 م
دائما تعبر عن أفضل ما فينا يا استاذ فهميا لا تتوقف
أيمن عصمان ليبيا
الأحد، 05-02-201709:08 ص
فهل آن سيدي الكاتب لمصر أن تفتح معبر رفح بشكل دائم بعد أن تبين "للبعض" الوجه الحقيقي لغزة؟!!!!