أعلنت حماس أن وفدا قياديا منها أنهى الأسبوع الماضي زيارة ناجحة ومثمرة لمصر. الزيارة قد تكون ناجحة ولكنها بالتأكيد غير مثمرة، خاصة مع المعاملة المهينة والقاسية التي تلقاها المواطنون على معبر رفح في اليوم التالي مباشرة لانتهاء الزيارة.
يمكن اعتبار الزيارة ناجحة وفق التعبير القضائي المعروف، قبول القضية من حيث الشكل، ورفضها من حيث المضمون. فقد تم استقبال وفد حماس بطريقة لائقة جرت حوارات مكثفة مع القيادة الأمنية طرح كل طرف مطالبه وحاجاته لإنجاح العلاقات وتطويرها، ولكن دون نتائج جدية ملموسة، ومع تكرار ما جرى خلال العام تقريبا.
كتبت هنا في موقع "عربي21" في مارس/آذار الماضي، أي منذ عام تقريبا، مقالا بعنوان "مصر وحماس حوار أمني بلا آفاق سياسية" أشرت فيه إلى أن الأجندة المطروحة خاصة من السلطات المصرية أمنية بامتياز، ولن يكون للعلاقة أي آفاق سياسية تحديدا فيما يتعلق بالوساطة المصرية في المصالحة الفلسطينية أو باستحقاقات التهدئة بين حماس وإسرائيل وفق تفاهم إنهاء الحرب الأخيرة في العام 2014.
نقلت صحيفة الحياة الأحد الماضي - 29 يناير - عن مسؤول قيادي في حماس نفيه أن يكون هناك أي جديد تم التوصل إليه خلال اجتماعات القاهرة، وأنها تناولت قضايا مكررة لم تسفر عن أي جديد في القضايا المطروحة، ولفت إلى أن هناك مبالغة في الحديث عن نقلة نوعية في العلاقة أو طي صفحة الخلاف مع مصر أو عقد لقاءات أمنية بين الطرفين.
حماس نفت خبر صحيفة الحياة لكن لا أشك لحظة أنه صحيح لأن الصحيفة مهنية ومصداقة، ولأن مراسلها في غزة لا يستطيع حتى لو أراد أن يختلق خبرا غير صحيح-ربما كانت دردشة او اقتباس ليس للنشر- يتعلق بالحركة والسلطة الحاكمة هناك، ولأن ثمة تصريحات علنية لقادة في الحركة تشي بما دار، وما حصل، أو لم يحصل، وقبل ذلك وبعده فإن الواقع أصدق أنباء في مصر، وفي غزة، وفي الحدود بينهما بما في ذلك المعبر طبعا.
القيادي في حماس موسى أبو مرزوق تحدث لبوابة الأهرام عن الزيارة، أكد تقديم مصر لائحة مطلوبين، وأن الحركة ترفض تسليمهم مع استعداد لمناقشة أوضاعهم حالة حالة في لقاء بين القيادات الأمنية للجانبين، أبو مرزوق أكد عدم وجود قضايا أو حتى اتهامات لحماس من القضاء المصري، وتحدث عن رغبة أو أجندة للتعاون، ولكن دون الحديث عن أي توافق أو نتائج جدية للحوارات الجارية والسابقة.
محمود الزهار كان كالعادة أكثر وضوحا وصراحة، فقال أثناء لقاء مع صحافيين بغزة: إن مصر طلبت مشاركة حماس في المعركة ضد داعش بسيناء، وهو أمر لا يمكن أن تقبله وأشار كذلك إلى رغبة الحركة في تحسين العلاقة مع حرص على الأمن القومي المصري، وعدم تدخلها فيه، وتكرار للفكرة الضارة والمؤذية استراتيجيا - قد تعزل غزة عن الضفة وتربط مصيرها بمصر دون حل عادل للقضية الفلسطينية - عن التبادل التجاري الكامل بين الجانبين، الذي قد يصل حجمه إلى 6 مليارات دولار سنويا، بما يحقق الفائدة للطرفين.
نحن إذن أمام تصريحات لا يمكن أن تعدد نتيجة واحدة للزيارة أو حتى الزيارات السابقة، ولا أشك لحظة أن السلطات الأمنية العسكرية الحاكمة تعمدت إذلال وإهانة المسافرين على معبر رفح، لمنع أي تأويلات إيجابية عن زيارة حماس أو ربط أي تحسين في عمل المعبر بها.
طوال الوقت لم تطرح القاهرة سوى أجندة أمنية للعلاقات بين الطرفين، وهي اضطرت أصلا لاستئناف الحوار بين الجانبين نتيجة ورطتها الأمنية وعجزها عن هزيمة داعش أو القضاء عليه في سيناء كما لإبقاء نافذة ما على الوضع الفلسطيني، تكرس الاحتكار المصري لما توصف بالورقة الفلسطينية لاستخدامها عند الحاجة كما جرى في خطاب أسيوط الشهير حزيران الماضي المبرمج مع توني بلير ونتن ياهو، أو بسحب مشروع القرار المدين للاستيطان في مجلس الأمن الدولي المبرمج أيضا مع ترامب ونتن ياهو.
أمام العجز في مواجهة داعش ألقت القاهرة بالتهمة على حماس وغزة بشكل عام، ووصل بها الحال إلى حد المطالبة بانخراط عناصر حماس في المعركة والقتال ضد داعش لمعرفتهم بالجغرافيا وطبيعة التركيبة والتشابك العائلي والقبلي في سيناء، إضافة طبعا إلى المطالبة بتسليم مطلوبين والحديث عن تنقل مقاتلين وحتى سلاح بين غزة وسيناء.
وحتى مقابل ذلك، وعلى فرض تلبية حماس للشروط المصرية، فلم يتم طرح أي مقابل أو عوائد سياسية، وإنما تم الحديث عن تخفيف الضغط والحصار ضد غزة، فتح معبر، بوتيرة أفضل، إدخال بعض المواد اللازمة والضرورية لإعادة الإعمار والمساعدة في تحفيف، وليس حل أزمة الكهرباء الخانقة في غزة.
البعد السياسي في علاقة مصر بغزة طرح فقط في الخريف الماضي، وكان مرتبطا برغبة القاهرة في تعويم القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان، وإعادته إلى المشهد السياسي الفلسطينى عبر البوابة الغزية مع فتح لافت للمعبر ثلاث مرات خلال شهر ومؤتمرات وندوات برعاية المخابرات المصرية لمناقشة الكيفية تطوير العلاقة بين الجانبين.
غير أن نجاح الرئيس عباس في عقد المؤتمر الفتحاوي السابع، وخلق واقع جديد فتحاوياً وحزبياً ثم التمهيد لاستنساخ نجاح مماثل على مستوى المنظمة والمشهد الفلسطيني بشكل عام وجه ضربة قاصمة للجهود المصرية، وأزاح دحلان من الصورة ولو إلى حين، وهو ما يفسر توقف القاهرة عن جهودها ثم إغلاقها المعبر، والعودة لفتحه بنفس الوتيرة المعهودة ثلاث أو أربع أيام كل شهر ونصف تقريباً.
نظرت القاهرة إلى حماس منذ الانقلاب بالعين الأمنية المجردة، وهي تقود الثورة المضادة في العالم العربي كما معركة الاستئصال لتيار الإسلام السياسي، وتحديداً الإخوان المسلمين وتعتبر حماس عضواً أو جزءاً أصيلاً منهم، ولولا ورطتها وعجزتها في سيناء لما فكرت أصلاً في استقبال الحركة أو فتح باب الحوار معها، وحتى هذا لا يأتى في إطار سياسي، وإنما ضمن مقابل أو عوائد اقتصادية تشبه إلى حد ما، ذاك الذى تفعله تل أبيب نفسها تجاه غزة، وحتى الضفة الغربية، ولن تكون وساطة مصرية سياسية بأي شكل من الأشكال، وعلى حماس أن تعي أن حل مشاكل القطاع بشكل تام لن يأتي عبر بوابة النظام الحالي في القاهرة، وإنما عبر إنهاء الانقسام والمصالحة الفلسطينية، وتوحيد القيادة والمؤسسات، وعليها أن تعي أنها ضيّعت - أو بالأحرى قيادتها في غزة - فرصة تاريخية بإهدار اتفاق الدوحة شباط 2012، الذي أتى في ظروف ملائمة، وحتى ذهبية للحركة لن تتكرر أبدا في المدى المنظور. أما الآن فلن تكون مصالحة إلا بتحديث ما لمعادلة الخروج من الحكومة، والبقاء في الحكم، على افتراض أن الرئيس عباس سيمتلك الشجاعة والمسؤولية لملاقاتها فى منتصف الطريق، وما عدا ذلك سيظل الوضع على حاله في غزة، ولن يتحسن أبدا هذا إذا لم يسوء أكثر.