مقالات مختارة

تيران وصنافير: جدل مصري حول رواية مصرية

خالد الدخيل
1300x600
1300x600
ما أن أحالت الحكومة المصرية موافقتها على اتفاق ترسيم الحدود البحرية، الذي يقضي بإعادة جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، حتى بدأت جولة أخرى من الجدل حول هذه القضية بين النخبة الثقافية والسياسية داخل مصر. 

يكشف مسار الجدل الذي لم يتوقف أن هناك انقساما في الرأي حول الموضوع. والذي يبدو أن الطرف الذي يؤيد موقف الحكومة المصرية من هذه القضية يمثل الغالبية. يستند هؤلاء في موقفهم إلى تاريخ مكتوب وشهادات ووثائق وأحداث، وأسماء من كانت لهم علاقة مباشرة بهذا التاريخ، وتلك الأحداث. سأستعرض بعضا من ذلك، وسأقتصر هنا على رواية هذا الموضوع كما ترد في الوثائق والكتابات المصرية.

في معرض حديثه عن ضمانات أمريكية لإسرائيل في موضوع حق الملاحة في خليج العقبة في أعقاب فشل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، يذكر الكاتب والصحافي المصري الراحل محمد حسنين هيكل في كتابه «سنوات الغليان» ما يأتي عن موضوع جزيرتي تيران وصنافير: «بدا (حينها) أن السياسة المصرية استقرت على خيار يعطي للملك سعود، ملك المملكة العربية السعودية، مهمة مواصلة بحث هذه القضية (قضية الملاحة) مع الإدارة الأمريكية، وكان هو أكثر المتحمسين لهذا الخيار على أساس اعتبارات عدة. أولها أن جزر (كذا) صنافير وتيران التي كانت مصر تمارس منها سلطة التعرض للملاحة الإسرائيلية في الخليج - هي جزر (كذا) سعودية جرى وضعها تحت تصرف مصر بترتيب خاص بين القاهرة والرياض». (سنوات الغليان، مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1409هـ - 1988، ص 91). تأتي أهمية هذا الرأي من حقيقة أنه لا يمكن اتهام هيكل، رجل عبدالناصر الأول، والذي عرف بمواقفه غير الودية تجاه المملكة بأنه كان يحابي السعودية في ما قاله عن هذا الموضوع.

في برنامجه «حقائق وأسرار» استضاف النائب المصري مصطفى بكري اللواء إبراهيم محمود، أقدم لواء متقاعد في مصر، الذي كان شاهدا على كيف تم عام 1950 الاتفاق بين العاهل السعودي الملك عبدالعزيز والعاهل المصري حينها الملك فاروق على السماح لمصر باستعارة جزيرتي تيران وصنافير. يقول اللواء إبراهيم إن الملك فاروق بعث رسالة مع زوج أخته لتسليمها للملك عبدالعزيز يطلب فيها السماح لمصر بوضع اليد على الجزيرتين لأغراض أمنية. ثم يضيف أن العاهل السعودي استجاب فورا لطلب فاروق بقوله: «سلموا الجزيرتين لأخونا فاروق».

من جانبها نشرت الدكتورة هدى عبدالناصر، ابنة الرئيس جمال عبدالناصر، مقالة طويلة في صحيفة «الأهرام» المصرية استعرضت فيها بعض الوثائق من عهد والدها أثبتت لها، كما تقول، بأن الجزيرتين سعوديتان. وكانت قبل ذلك تعتقد أن الجزيرتين مصريتان. من بين ذلك وثيقة مصرية بعنوان «مرفق الأسس التي تضمنتها مفكرة وزارة الخارجية المصرية بتاريخ 28 شباط- فبراير 1950». ينص الأساس الأول كما يرد في هذه الوثيقة على أنه «نظرا للاتجاهات الأخيرة من جانب إسرائيل التي تدل علي تهديدها لجزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر عند مدخل خليج العقبة فإن الحكومة المصرية بالاتفاق التام مع الحكومة العربية السعودية أمرت باحتلال هاتين الجزيرتين وتم ذلك فعلا».

في 18 نيسان (أبريل) 2016 نشر سامي شرف (كان سكرتير الرئيس جمال عبدالناصر للمعلومات) مقالة أيضا في صحيفة «الأهرام». وتناول فيها من أسماهم «أصحاب الأجندات الخاصة من أجل الوصول لتحقيق هدف ليس بخاف على أحد ألا وهو إحراج النظام». وهو يشير بذلك إلى من يعترضون على إعادة جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، مثل المرشحين الرئاسيين السابقين أحمد شفيق وحمدين صباحي، بدعوى أن إعادة الجزيرتين ليست أقل من تنازل لا مبرر قانونيا له عن أرض مصرية، بل ويتناقض، كما يقول هذان المرشحان وغيرهما، مع مقتضى المادة 151 من الدستور المصري. ويضيف شرف في هذا السياق أن هؤلاء «يثيرون موضوعا ثابتا حسمه المتخصصون في التاريخ والجغرافيا، وأكده أساتذة القانون الدولي... وأنا أتحدث عن موضوع ملكية جزيرتي تيران وصنافير المقطوع بأنهما سعوديتا الملكية، وكان ذلك بالاتفاق السابق بين الطرفين تحت الحماية المصرية فقط وليست الملكية وذلك لقدرة مصر العسكرية على القيام بهذا الدور أكثر من السعودية ما دام هناك عدو صهيوني يهدد أمن كلا الطرفين السعودي والمصري».

هناك أيضا الدكتور مصطفى فؤاد عميد كلية الحقوق في جامعة طنطا الذي تحدث إلى برنامج «العاشرة مساء» على فضائية «دريم» باستفاضة لافتة عن التاريخ القانوني الذي يؤكد كما يقول إن الجزيرتين سعوديتان. وأشار في معرض حديثه كيف أن قضية هاتين الجزيرتين برزت أثناء المفاوضات بين مصر وإسرائيل التي أفضت إلى اتفاق كامب ديفيد عام 1979. إذ يذكر الدكتور فؤاد أن الرئيس أنور السادات «كتب بخط يده أثناء المفاوضات أن تخرج جزيرتا تيران وصنافير من المفاوضات باعتبارهما جزيرتين سعوديتين».

في 10 نيسان (أبريل) 2016 نشرت صحيفة «اليوم السابع» المصرية وثائق تثبت كما تقول اعتراف مصر بأن الجزيرتين سعوديتان. ومن بينها الخطابات التي تم تبادلها عامي 1989 و1990 بين وزير الخارجية السعودية الراحل الأمير سعود الفيصل مع وزير خارجية مصر عصمت عبدالمجيد، والدكتور عاطف صدقي رئيس الوزراء حينها. في أحد هذه الخطابات يقول سعود الفيصل مخاطبا عبدالمجيد: «إنه بناء على الاتصالات التي جرت بيني وبين معاليكم، وآخرها كان في نيويورك عام 1409هـ، والذي تطرق إلى بحث موضوع جزيرتي تيران وصنافير التابعتين للمملكة العربية السعودية، حيث أبديتم عدم اعتراض أو تحفظ لديكم في ما يخص سيادة المملكة على هاتين الجزيرتين، سوى ما قد يتعارض مع التزامات مصر الإقليمية والدولية...». ثم يضيف الفيصل بعد تعبيره عن تفهم المملكة لذلك بأن «كل ما في الأمر هو عودة الجزيرتين بعد أن انتهت أسباب الإعارة».

وقبل ذلك وبعده فإن الخرائط العربية والأجنبية للمنطقة تضع جزيرتي تيران وصنافير ضمن الحدود المائية للسعودية داخل البحر الأحمر.

الشاهد الأهم في كل ذلك أن الحكومات المصرية منذ العهد الملكي عام 1950، مرورا بالعهد الناصري، وحتى عهد الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي، أي عبر أكثر من ستة عقود متتالية، كانت تعترف بوثائق مكتوبة وخطابات متبادلة بأن ملكية الجزيرتين تعود للسعودية، وأن مصر استولت عليهما بالاتفاق مع السعودية لأغراض عسكرية فرضها الصراع مع إسرائيل بعد احتلال هذه الأخيرة لمنطقة أم الرشراش (المعروفة حاليا بميناء إيلات) في أواخر عام 1949. وأهم ما يعنيه ذلك أن مسألة الجزيرتين ليست مسألة نزاع على السيادة بين السعودية ومصر، ولم تكن كذلك قط.

أمام هذا الجزء البسيط من تاريخ الوضع القانوني للجزيرتين، وما يعبر عنه بروايته المصرية، يبرز السؤال المنطقي: لماذا يحصل الانقسام داخل النخبة المصرية حول قضية بهذا الوضوح؟ يجب أن نأخذ في الاعتبار أن المنطق لا يتفق دائما مع الواقع، خصوصا الواقع السياسي. الأمر الآخر أن المعترضين على إعادة الجزيرتين للسعودية يمثلون الأقلية داخل مصر، كما يبدو. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، وربما بسبب من ذلك، أنهم في موقفهم المعارض لا يستندون إلى تاريخ أو وثائق أو شهادات. بل إلى خطاب تغلب عليه إنشائية شعبوية فاقعة تعتمد على الشحن العاطفي، وإثارة انقسامات وطنية وقومية تتناقض رأسا مع ما يدعون أنهم يدعون إليه. 
يتنكر أصحاب هذا الخطاب للرأي الآخر وللقانون والتاريخ. والأغرب في الأمر أن بعض هؤلاء ينتمون إلى التيار الناصري، مثل حمدين صباحي، ومع ذلك يتجاهلون تماما الرواية الناصرية لتاريخ القضية، لا لشيء إلا لأنها لا تتفق مع هواهم السياسي. في هذا السياق يبدو أن موقفهم ليس موجها ضد السعودية حصرا، وإنما يعبر أيضا عن استغلال انتهازي لموضوع الجزيرتين للتعبير عن موقف معارض للرئيس السيسي وحكومته. 

وهذا نهج يفتقد الشجاعة والحكمة في تناول قضية لا تخص مصر وحدها، بل تمتد آثارها إلى خارج الحدود نحو دولة عربية أخرى لا مصلحة لأحد في ضرب العلاقة معها، خصوصا في مثل الظرف الإقليمي السائد.

كان يمكن أن يكون الخلاف حول الجزيرتين مناسبة لنقاش قانوني وسياسي وتاريخي ثري. لكن مسار الجدل حتى الآن انحرف نحو هذه الشعبوية التي تهدد الجميع، بما في ذلك مصر نفسها. السؤال: لماذا وكيف وصل الخطاب السياسي في مصر إلى هذه الحال بعد تجربة سياسية غنية امتدت لأكثر من قرن من الزمن؟
2
التعليقات (2)
خالد القاضي
الأحد، 08-01-2017 06:52 م
شكرا للأخ العزيز محمد شعلان وتحياتي للأستاذ خالد الدخيل وله أقول أنت تتحدث من منطلق أنك مواطن سعودي فقط وليس محايدا أو منصفا ؛ وتعلم تمام العلم أن الجزيرتين ليستلا سعوديتان وقد تحدث معالي وزير خارجية المملكه في مؤتمر صحفي في قلب القاهره وقال أن المملكه لم تطالب بالجزيريتين ولكن الحكومه المصرية هي من أبلغتهم بسعودية الجزيرتان ؛ وأنها أيضا من قدم للملكه الوثائق التي تثبت ذلك . وقال أن النزاع مصري مصري لا علاقة للمملكه به ولا تهاجمونها لهذا السبب . وعطفا على رد الأستاذ محمد شعلان أؤكد لكم أنه لو كان لديكم مثقال ذرة من شك أن الجزر سعوديه لماذا لم يطالب بها ملككم الراحل عبد الله عندما صعد له رئيس الانقلاب الطائرة وقبله بين عينية في سابقة لم تحدث ولن تحدث في التاريخ ؛ هل ياترى لم تكن الجزر سعوديه وقتها وأصبحت فجأة سعودية في عهد الملك سلمان أقول لكم ولرئيس الانقلاب وعبيدة المأجورون إن بيع الأرض خطأ فادح سيدفع ثمنه الجميع البائع والمشتري ؛ الحكام يموتون والزمن دوار وتلك الأيام يداولها الجبار بين الناس ؛ وكما كنا في عهد الملكية سادة على العرب سنعود كذلك قريبا ؛ وكل خائن سيدفع ثمن خيانته عاجلا أو آجلا ؛ وسيعود أحفاد أحفادنا ليطالبون بأرضهم وسيحصلون عليها بالسلم أو بغيرة ؛ وليست المروءه في استغلال فترة المرض وسلب المريض الذي تولى أمره الخونه ؛ ولكن المروءة في حفظ حق المريض حتى يشفى . وأمام المحكمة ظهرت مئات الآلاف من الوثائق التي تعمدتم إغفالها وكانت دامغه في إثبات الحق المصري ؛ وكما تحدثت عن العجوز الخرف حسنين هيكل لماذا لم تستشهد بقول رئيسة الراحل جمال عبد الناصر أو قول الرئيس السادات أو حتى قبل حليفكم الرئيس مبارك . كلنا يعلم الحقيقة ويعلم مصرية الجزر ولكن الطمع فيما لا نملك هي شهوة في البشر إلا ما رحم ربي وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
محمد شعلان
الأحد، 08-01-2017 02:05 م
أحب أن أوجه نظر الكاتب للمقال أنه ذكر فى معرض حديثه عن سعودية الجزر موقف بعض الساسه والإعلاميين المؤيدين للنظام وهو الذى يريد أن يبيع الجزر للسعوديه وأحب أن أنوه له على عدة أشياء هامه غفلها الكاتب عمدا أو بدون عمد وهى ... أولا فى إتفاقية ترسيم الحدود بين مصر وإسرائيل وفى ملاحق المتابعه بعد قضية طابا إستعانت مصر بالخرائط العثمانية التى تثبت حدود مصر الشرقيه ومن ضمنها تيران وصنافير وهو الوقت الذى لم يكن موجودا أساسا ما يعرف بالسعوديه فى هذه الخرائط ثانيا ترسيم الحدود الذى تم أكثر من مرة لمصر فى عهد الإنجليز الذين إحتلوا مصر كانت فيه تيران وصنافير وعند الجلاء كان ترسيم الحدود يحتوى على جزيرتى تيران وصنافير ضمن الحدود المصرية وليس السعوديه وفى هذا الوقت كان هناك الدولة السعوديه بمظهرها الحالى ثالثا قضية تيران وصنافير بمظهرها الحالى لم ينشأ الإ فى عهد السيسى فى حين أن فى كل العهود السابقه لم تطالب بها السعوديه سواء من السادات بعد توقيعه إتفاقية السلام مع إسرائيل بفرض أنها تنازلت عنها فى عهد عبد الناصر لحفظ الأمن المصرى وقتها فلماذا لم تطالب بها فى عهد السادات الذى رسم الحدود المصرية الإسرائيليه وكان من بينها تيران وصنافير وأيضا لم تطالب رسميا بها فى عهد مبارك ولا الدكتور مرسى وحاليا تريد أخذها فى عهد السيسى بمنحه منه وأيضا لم تلجأ السعوديه لإى تحكيم دولى أو مطالبات دوليه مثلما حدث من مصر مع إسرائيل فى قضية طابا مثلا أخيرا لمصر حدود بريه مع العديد من الدول لم يتم ترسيم غير الحدود الشرقيه مع إسرائيل وحاليا تطالب السعوديه بالجزيرتين وليس معها مستندات وفى الجنوب يوجد السودان الذى يطالب بمثلث حلايب وشلاتين أيضا ويعى أنه لو لجأ للتحكيم الدولى فسيخسره أيضا لوجود المستندات البريطانية التى تحدد حدود السودان ومصر ويوجد بها حلايب وشلاتين ضمن الحدود المصريه وفى الشمال الحدود مع ليبيا ولا يوجد تنازع حاليا رغم ضم ليبيا لبعض الآراضى المصريه لحدودها وموافقة عبد الناصر قديما للقذافى ومن وقتها لم يطالب أحد بشئ عموما فى كل الأعراف لا يوجد أن تتنازل دول عن بعض أراضيها ولكنها تجبر على التنازل بمعنى آخر إن إسرائيل مثلا أجبرت مرتين على التنازل عن الآراضى التى أكتسبتها فى 1967 مرة بحرب 1973 ومرة بالمفاوضات ومرة أخيرة بالتحكيم الدولى ولكن أن تتنازل دوله عن حدودها فهذا لم يحدث إلا فى عصر الرز السعودى التى تبحث عن حدود وهميه وسبقتها إسرائيل فى نفس البحث فهل يخيب المسعى السعودى كما خابت إسرائيل قديما نتمنى من الله ذلك