قضايا وآراء

في حاجة المعارضة السورية إلى تفعيل مؤسساتها من جديد

محمود عثمان
1300x600
1300x600
اتفاق وقف اطلاق النار الذي تم بجهود روسية تركية مشتركة لا زال محل اختبار وامتحان , و خصوصا بعد هجوم النظام ومليشيات حزب الله اللبناني على وادي بردى , والخروقات والاستفزازات التي تقوم بها مليشيات إيران على أكثر من صعيد , و عجز الروس عن لجم إيران وإلزامها بتطبيق الاتفاق . في الجهة المقابلة أظهرت حيثيات توقيع هذا الاتفاق , هشاشة الصلة بين مؤسسات المعارضة السورية , وحاجة هذه المؤسسات الماسة إلى عملية إصلاح جذري , تجعلها أمتن ترابطاً وأكثر كفاءة.

الروس يوظفون انقسام المعارضة لإنهاء الثورة السورية :

اعتمدت الخطة الروسية على تفكيك المعارضة السورية والاستفراد بمكوناتها كل على حدة . من خلال استغلال الفراغات الكبيرة الحاصلة بسبب تفرقها . كما استغل الروس حاجة الداعم التركي إلى كسر الحصار الخانق المفروض عليه , حيث تعاني تركيا , عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة , من مأزق حقيقي في علاقاتها مع أمريكا والدول الأوربية , الذين تتهمهم تركيا بدعم الانقلاب وتوفير الحماية للانقلابيين , وبعدم الوفاء بالتزاماتها في دعمها في حربها ضد الإرهاب.

قام الروس بتنسيق ودعم من الجهات التركية باختيار بعض الفصائل الثورية , وأجروا معهم مفاوضات في أنقرة في ظروف غير عادية , انتهت بقبول تلك الفصائل التوقيع على اتفاق لوقف اطلاق النار . تبين لهم فيما بعد أن النص الذي وقعوا عليه يختلف النص الذي وقع عليه نظام الأسد !. 

أراد الروس تمرير النص الذي وقع عليه نظام الأسد من مجلس الأمن , في محاولة منهم لفرض "أستانة" كمرجعية جديدة للتفاوض ونسف مرجعية جنيف . لكن محاولتهم باءت بالفشل , فقد أجريت تعديلات جذرية على النص الروسي , وأعيد ربط العملية التفاوضية بمرجعية جنيف . التوقيع على نصين مختلفين حالة غير مسبوقة في تاريخ الأمم المحتدة. 

المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة "ستيفان دوغريك " أعلن بأن المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا لن يشارك في مفاوضات "أستانة" المرتقبة بشأن القضية السورية. موضحاً أن "الأمم المتحدة لا تنظر إلى مفاوضات أستانة باعتبارها منافسا لمفاوضات جنيف بشأن الأزمة والمزمع عقدها في الثامن من شهر فبراير/ شباط المقبل" ومؤكدا أن "دي ميستورا يواصل جهوده الرامية من أجل حل الأزمة". 

حاجة المعارضة السورية إلى رص الصف قبيل مؤتمر أستانة:

طالما تذرع الأصدقاء قبل الأعداء بتفرق المعارضة السورية وشرذمتها . ولسنا بصدد الحديث عن الأسباب والعوامل والجهات التي مزقت المعارضة السورية . حيث يأتي المنتقدون في مقدمة الذين أسهموا في تقسيمها . إذ طالما تفردت إحدى الدول الداعمة الصديقة بالتعامل مع جهة من المعارضة على حساب جهة أخرى . و تكررت تلك الحال مع الفصائل العسكرية على نطاق أوسع , فدعم فصيل عسكري وحرم آخر , مما جعل الانقسام بين الفصائل يصل إلى حالة خطيرة مدمرة .

تواجه المعارضة السورية استحقاق أستانة وهي موزعة على أربع مؤسسات رئيسية :

الأولى.. الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة 

لا تزال مؤسسة الائتلاف الوطني تحظى بدعم سياسي ومادي من دول مؤثرة في المسألة السورية . ورغم ما قيل عن الائتلاف منذ تاسيسه وإلى يومنا هذا , وما كيل له من انتقادات حادة ولاذعة , وقصور أدائه بسبب أمراضه المزمنة . إلا أن معالجتة لا تكون بالبتر . إنما بإعادة هيكلته مؤسساتياً , بإصلاحه إدارياً , وليس كما جرت العادة من قبل . حيث كانت تعني الهيكلة إضافة عناصر جدد , مما يعني مزيدا من المشاكل والتجاذبات . باختصار الائتلاف بحاجة إلى عملية تفعيل من جديد .

الثانية.. الهيئة العليا للمفاوضات :

حال الهيئة العليا للمفاوضات لا يختلف كثيرا عن حال الائتلاف , فهي تعاني أيضا من قلة دعم الأشقاء والأصدقاء على حد سواء . شخصية رئيس الهيئة الدكتور رياض حجاب , وخبرته كرجل دولة , منحته خصائص إضافية , وجعلته محل رضا من طرف السوريين , ومرجعية أساسية لا يمكن تجاوزها في أي استحقاق سوري . تحاول بعض القوى الزج بالدكتور رياض حجاب في لقاء أستانة , بشخصه لا بصفته رئيساً للهئية العليا للمفاوضات , وهذا مطب خطير . إذ من شأنه حرق أوراق حجاب أولا , وتكريس فرقة المعارضة السورية ثانيا.

الثالثة.. الحكومة السورية المؤقتة :

انبثقت الحكومة السورية المؤقتة عن الائتلاف كهيئة تنفيذية , مهمتها الأساسية إدارة المناطق المحررة . كثير من الدول والمؤسسات العالمية وفي مقدمتها الدول الأوربية وعدت بدعم مادي كبير , إلا أن هذه الوعود لم ينفذ منها إلا النزر اليسير . كما أن أنانية الفصائل العسكرية , وعدم تعاونها مع الحكومة المؤقتة , قلل من فاعليتها على الأرض . لكن بالرغم من جميع المعوقات فقد قدمت الحكومة المؤقتة كثيرا من الخدمات في مجال التعليم خصوصا , وكذلك الصحة والاتصالات والإدارة المحلية .

الرابعة.. الجيش الحر والفصائل العسكرية :

بذلت محاولات كثير لتوحيد الفصائل العسكرية تحت راية الجيش الحر , وبذلت جهود أكثر لتشكيل قيادة عسكرية موحدة , على شكل مجلس عسكري يضطلع بمهام الملف العسكري برمته . لكن جميع تلك الجهود كانت محكومة بالتوازنات الدولية والاقليمية , ومقيدة بالتنافس والتجاذبات بين الدول الداعمة للثورة السورية قبل غيرها . مما جعل تنظيم الملف العسكري عملية شبه مستحيلة . لتبقى التناقضات في هذه الساحة الخاصرة الرخوة للثورة السورية , والثغرة مشرعة الأبواب لجميع من أراد العبث بها .

يكمن التحدي الأساسي للثورة السورية في إعادة بناء وتفعيل مؤسساتها من جديد . هناك ثلاث مؤسسات معترف بها رسميا ودوليا . هي , الائتلاف الوطني , والهيئة العليا للمفاوضات , والحكومة المؤقتة . يبقى التحدي الأكبر في إنهاء حالة التشرذم القائمة في الساحة العسكرية . إذ هناك إجماع على ضرورة تأسيس جيش وطني سوري , وإدماج الفصائل العسكرية ذات الأجندة الوطنية داخله .
0
التعليقات (0)