مونبيو: كيف أخرج صناع الشهرة رئيسا للولايات المتحدة؟
لندن- عربي2122-Dec-1602:59 PM
0
شارك
ترامب
قال الكاتب البريطاني جورج مونبيو، إن ثقافة الشهرة أصبحت في واقع الأمر مكونا أساسيا من مكونات النظم التي تحكم حياتنا، مع استعداد الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، لدخول البيت الأبيض، بصفته أحد مشاهير تلفزيون الواقع.
وفي مقاله بـ"الغارديان"، الذي ترجمته "عربي21"، أضاف مونبيو أن ثقافة الشهرة لم تنشأ صدفة أو من تلقاء نفسها، فـ"كلما تباعدت المؤسسات التجارية وأصبحت مجردة وغير مشخصة، اعتمدت على وجوه أناس آخرين ليشكلوا حلقات الوصل بينها وبين زبائنها".
وتابع بأن "كلمة كوربوريشن تعني الجسد وكلمة كابيتال تعني الرأس، إلا أن ما يطلق عليه بالإنجليزية كوربوريت كابيتال (رأسمال الشركة) لا رأس له ولا جسد. يصعب على الناس ربط أنفسهم بمشروع تجاري محمول على التجانس يملكه صندوق حمائي هويته التجارية تتكون من خزانة ملفات موجودة في مدينة بنما. وبذلك تحتاج الآلة إلى قناع، ويتوجب عليها أن تلبس وجه شخص نراه بشكل متكرر كما نرى جارنا المحاذي لنا. من العبث التساؤل حول ما الذي تفعله كيم كارداشيان حتى تجني عيشها: دورها يتمثل في مجرد بقائها في عقولنا. من خلال لعب دور جارنا الافتراضي، فإنها تضغط فينا على زرار تعرف بالنيابة عن العمود الرمادي الذي يجلس من خلفها هذا الأسبوع".
ولفت إلى أن الهوس بالشهرة لا يكتفي بأن يستقر بهدوء إلى جانب الأشياء الأخرى التي لها قيمة عندنا، بل يحل محلها. ونقل عن دراسة نشرت مؤخرا في مجلة سايبر سايكولوجي أن "نقلة غير اعتيادية يبدو أنها حدثت ما بين 1997 و2007 في الولايات المتحدة الأمريكية. في عام 1997 كانت القيم السائدة التي يعبر عنها من قبل البرامج التلفزيونية الأكثر متابعة بين الفئات العمرية من 9 إلى 11 عاما هي الشعور بالانتماء إلى الجماعة يتلوها من حيث الأهمية قيمة الإحسان. أما الشهرة فجاءت في المرتبة الخامسة عشرة من بين ست عشرة قيمة كانت محل الاختبار. وبحلول عام 2007، حينما كانت برامج مثل هنه مونتانا هي المهيمنة، جاءت الشهرة في المرتبة الأولى يتلوها الإنجاز، فالشكل، فالشعبية ثم النجاح المالي. وأما الشعور بالانتماء إلى الجماعة فتراجع إلى المرتبة الحادية عشرة بينما تراجع الإحسان إلى المرتبة الثانية عشرة".
أما بحث آخر نشر في "المجلة الدولية للدراسات الثقافية"، فقد توصل إلى أن "الذين يتابعون أخبار المشاهير وما يتصل بذلك من قيل وقال – من بين الناس الذين شملتهم الدراسة داخل المملكة المتحدة – مقارنة بأولئك الذين يتابعون غير ذلك من الأخبار والاهتمامات أقل احتمالاً بثلاث مرات في أن يشاركوا في نشاطات المنظمات المحلية وأقل احتمالاً بمرتين في أن يتطوعوا. بمعنى آخر، لقد حل الجيران المفترضون محل الجيران الحقيقيين".
وأكد أنه كلما زاد تميز القناع الذي يحتاج لأن يضعه على وجهه، زادت رقة وتجانس المنتج: "وهذا هو السبب وراء اختيار إيغي بوب للترويج للتأمين على السيارات بينما يستخدم بينيتشيو ديل تورو لبيع بيرة هاينيكين. الدور الذي يلعبه هؤلاء الناس يفهم منه أن وراء الماركة التجارية ما هو أكثر إثارة من المباني التي توجد فيها المكاتب وحتى من جداول البيانات المالية. ما يحصل هو أنهم ينقلون حدتهم إلى الشركة التي يمثلونها. وبمجرد استلام الشيك الذي به تشترى هويتهم، فإنهم يصبحون مصنعين وبلا معنى مثلهم في ذلك مثل الأصناف التي يروجون لها".
وعن قيمة المشاهير الذين وصلوا إلى ما هم عليه عبر صناعة التسويق، قال الكاتب إن "إن المشاهير الذين ترونهم هم أكثر المنتجات درا للربح وهذا هو السبب الذي يجعل الممثلين والممثلات وعارضي وعارضات الأزياء يحظون بأهمية تتجاوز بمراحل كثيرة قيمتهم الحقيقية ويحتلون جل المساحة التي كان يحتلها من قبل أصحاب الأفكار والإبداعات. بمعنى آخر، تكمن خبرة هؤلاء في أنهم يشكلون قنوات تصل عبرها رؤى وأفكار الآخرين".
وقال الكاتب إلى بحث بياناتي قام به عالم الأنثروبولوجيا غرانت ماكراكين، إن "الممثلين والممثلات في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة من عام 1900 إلى عام 1910 كانوا يحظون بما يقرب من 17 بالمائة من الاهتمام الثقافي الذي منح للمشاهير من الناس، أقل قليلاً من نصيب علماء الفيزياء والكيمياء والأحياء مجتمعين. أما مخرجو الأفلام فكانت حصتهم 6 بالمائة وكانت حصة الكتاب والمؤلفين 11 بالمائة. وفي الفترة من عام 1900 إلى عام 1950، حصل الممثلون والممثلات على 24 بالمائة من التغطية الإعلامية، بينما نال الكتاب والمؤلفون ما نسبته 9 بالمائة. وبحلول عام 2010 بلغت نسبة ما حصل عليه الممثلون والممثلات 37 بالمائة (ما يزيد على أربعة أضعاف نصيب المختصين في العلوم الطبيعية)، بينما تدنت النسبة التي حصل عليها مخرجو الأفلام والكتاب والمؤلفون إلى 3 بالمائة".
وعن صفات هؤلاء المشاهير قال إن الصفات التي يبحث عنها الآن في المشاهير، هي البلادة، والفراغ، والجمال البدني، باعتبارهم لوحات عرض فارغة يمكن عرض أي شيء عليها.
وبمجرد أن ينسى المشاهير الدور الموكل إليهم تطلق عليهم الوحوش لتنهشهم وتفتح عليهم أبواب الجحيم. "كانت ليلي ألين الشخصية المفضلة لدى وسائل الإعلام عندما كانت تعلن لمحلات جون لويس، وما كان غاري لاينيكر ليجرؤ على الإتيان بخطوة واحدة في غير محلها عندما كان يروج للوجبات السريعة ويبيعها للأطفال. ولكن عندما عبرا عن تعاطفهما مع اللاجئين مزقا شر ممزق. بمعنى آخر، أنه حينما تقبل بأن تصبح أداة في أيدي الشركات التجارية فإنه يتوقع منك أن تتوقف عن التفكير لنفسك، لأن ثمة من يفكرون لك".
وللمشاهير دور رئيس آخر، بحسب مونبيو، وهو أن يكونوا أسلحة إلهاء شامل. "المسح الذي أجرته المجلة الدولية للعلوم الثقافية، والذي أشرت إليه آنفا، كشف أيضا عن أن أكثر الناس اهتماما بالمشاهير هم أقل الناس اهتماما بالسياسة، وأقلهم استعدادا للاحتجاج وأقلهم رغبة في المشاركة في التصويت أثناء الانتخابات. ما من شك في أن هذه الحقيقة تحطم، كما هو واضح، ذلك الزعم التبريري الذي يصدر من حين إلى آخر عن وسائل الإعلام ومفاده أن المشاهير يربطون الناس بالحياة العامة".
ولتقليل اهتمام الناس بالسياسة يقول كاتب المقال إن الدراسة ذاتها تقول إنه يكفي أن تعرض عليهم بعض المشاهير لأكثر من مرة في اليوم كي يبقوا مشتتين: "إن الناس الذين يتركز اهتمامهم على المشاهير يشاهدون الأخبار بنفس القدر الذي يشاهدها الآخرون، ولكنهم في ما يبدو يعيشون في حالة دائمة من الإلهاء والتشتت".
وبالعودة إلى ترامب، لخص قائلا: "تتجلى في ترامب حالة من التداخل التام بين استخدامين لثقافة الشهرة: شخصنة المصالح التجارية والإلهاء الشامل. أصبحت شهرته قناعا لإمبراطوريته التجارية بما هي فيه من فوضى، واعتماد على مقاولات الباطن، واستشراء الفساد وانعدام الشفافية. أما صورته أمام الرأي العام فكانت النقيض لكل ما يمثله هو وتمثله إمبراطوريته. وكمقدم للنسخة الأمريكية من برنامج "ذي أبرينتس" تحول هذا الوريث المدلل صاحب الثروة الطائلة إلى وجه للتجارة وللحراك الاجتماعي. وأثناء حملة الانتخابات الرئاسية ألهت شخصيته الصاخبة الناس وحالت بينهم وبين رؤية الفراغ الفكري الذي يقبع خلف القناع، وهو الفراغ الذي يملؤه الآن ممثلو رأس المال العالمي الأكثر فصاحة".