قضايا وآراء

المعارضة المصرية وإدارة الخلاف

قطب العربي
قطب العربي
قطب العربي
تتسع رقعة المعارضة المصرية للنظام العسكري الحاكم يوما بعد يوم، وتتنوع هذه المعارضة بين قوى إسلامية كانت سباقة لرفض هذا الحكم، وقوى ليبرالية ويسارية لحقت بهذا الرفض سواء عقب انقلاب الثالث من يوليو 2013 مباشرة أو بعد منح فرصة للسيسي للترشح والحكم لمدة عامين وعد بنقل مصر خلالهما من حالتها المتردية إلى مصاف الدول المتقدمة لتصبح " قد الدنيا"، (للأمانة هناك شخصيات ليبرالية ويسارية محدودة وقفت ضد الانقلاب منذ البداية).

ومع اتساع المعارضة كما وكيفا لنظام السيسي، تبرز على السطح قضية التنسيق بين قوى المعارضة أو الرفض لهذا النظام بهدف التخلص منه واستعادة المسار الديمقراطي الذي أنتجته ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، وتقديم بديل سياسي مدني مقنع للشعب المصري أولا وللمجتمع الدولي ثانيا، وقد جرت عدة محاولات للتنسيق على مدى أكثر من عامين لكنها تعثرت في غالبها باستثناء المحاولة الأخيرة التي وقعت الأسبوع الماضي والتي اقتصرت على مجرد ميثاق شرف وطني أخلاقي شارك بالتوقيع عليه في البداية 156 شخصية سياسية من مختلف الاتجاهات كان أبرزهم الدكتور محمود حسين الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين والدكتور أيمن نور زعيم حزب غد الثورة والسفير إبراهيم بسري وكيل وزارة الخارجية الأسبق، وحازم عبد العظيم مسئول لجنة الشباب في حملة السيسي الانتخابية، والدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ومقرر الجمعية الوطنية للتغيير سابقا، والدكتور سيف الدين عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والدكتور طارق الزمر رئيس حزب البناء والتنمية، وعدد من قيادات 6 إبريل والنشطاء اليساريين.

كانت بداية المحاولات الفعلية لتوحيد قوى الثورة في وثيقة بروكسيل ( مايو 2014) والتي كان يفترض أن يواكبها في اليوم ذاته إعلان القاهرة ، والذي شارك فيه رموز من قوى ثورية متنوعة، لكنه تأخر لبعض الوقت لاعتبارات أمنية وسياسية، وقد تأسس المجلس الثوري على قاعدة مبادئ بروكسيل، وكان هدفه الأول وفقا لوثيقته التأسيسية هو تحقيق الاصطفاف الثوري لكنه فشل في تحقيق هذا الهدف بل إنه تحول لاحقا إلى عائق للاصطفاف وهو ما دفع عددا من قادته وأعضائه للاستقالة منه قبل عام، وتجددت المحاولات فيما عرف بوثيقة العشرة قبل عام تقريبا لكنها تعرضت لقصف مبكر أجهز عليها في مهدها، في تلك الأثناء لم تتوقف اللقاءات والورش الهادفة لتحقيق التقارب  بين قوى الثورة سواء في القاهرة أو الدوحة أو إسطنبول او واشنطن أو باريس إلخ، ويمكن القول أنها نجحت في تمهيد الأرض نسبيا لإنجاز بعض الفعاليات المشتركة مثل مظاهرة جمعة الأرض يوم 15 إبريل الماضي.

وحتى هذه المحاولة الأخيرة ( ميثاق الشرف الوطني) التي سجلت اختراقا نسبيا لحالة التكلس والجمود السابقة تخضع حاليا لاختبارات قاسية لقياس قدرة ذاك الطيف الواسع الذي وقع الوثيقة والذي تجاوز الـ 500 شخصية حتى الآن على حسن إدارة خلافاته التي ظلت عائقا دون الالتقاء المباشر من قبل، والتي لم تختف بعد، لكن وطأة حكم السيسي ضد الجميع دفعت هذه الأطراف المعارضة لمحاولة تناسي خلافاتها أو تركها جانبا مؤقتا بهدف التنسيق لعمل مشترك ينهي حكم العسكر الباطش بالجميع، وتشكيل بديل مدني ( من القوى الإسلامية والليبرالية واليسارية والمستقلة) يكون قادرا على إدارة الوطن بكفاءة بعد إنهاء ذاك الحكم العسكري، ويكون قادرا على الصمود في وجه التحديات التي ستقابله.

ليس خافيا أن التجربة الأخيرة كانت في مهب الريح كسابقاتها منذ يومها الأول، وقد كان ذلك طبيعيا جدا في ظل حالة تربص ظلت تسيطر على العلاقة بين الشخصيات الموقعة على الميثاق وما تمثله من قوى، لكن المفاجأة أن الغالبية العظمى ممن دعوا للتوقيع على الميثاق وقعوا في النهاية بعد جدل ومناوشات استمر بعضها لاحقا ليطيل أمد الاختبار لإرادة  العمل المشترك ، والأمر الإيجابي أن الكثيرين باتوا يدركون أكثر من أي وقت مضى أنهم مضطرون للتعاون رغم تلك الخلافات، وأنهم مضطرون لتجاوز تلك الخلافات أو وضعها جانبا ولو بشكل مؤقت، كما أنهم مدركون أنهم سيواجهون اختبارات تزداد صعوبة مع كل خطوة متقدمة نحو المزيد من التعاون، وأن سلطة العسكر وأذرعها الأمنية والإعلامية ستنفخ في الخلافات الصغيرة لتضخمها، وستوجد خلافات جديدة بين فرقاء الثورة، وبالمجمل ستنشط في تطبيق مبدأ فرق تسد.

وحتى لا نحمل الأمور أكثر مما تحتمل فقد كان واضحا من البداية أن المجموعة الافتراضية التي ضمت هذا الطيف الواسع من رموز المعارضة المصرية ( ميثاق الشرف الوطني) لم تستهدف أن تكون كيانا أو تحالفا أو حزبا واحدا بل إنها تجمعت فقط على قيم نبيلة لا يختلف عليها إلا من يشعر بعدم قدرته على الالتزام بها، كما كان ولا يزال هناك عزم وحزم على أن تظل المجموعة مقتصرة على الميثاق دون غيره من القضايا حفاظا على ما تحقق من عمل وتمتينه، لكن هذا لا يمنع من العمل في مسارات أخرى متوازية للوصول إلى مظلة وطنية ثورية جامعة يشارك فيها من شاء من الموقعين على الميثاق أو من غيرهم سواء كانوا أفراد أو كيانات بعد الاتفاق على المبادئ المشتركة وآليات العمل المشترك.

إنجاز ميثاق شرف وطني خطوة رمزية لا تزال تنتظر التفعيل من خلال تشكيل لجنة الحكماء التي قررها الموقعون للسهر على تطبيقه ومواجهة الخروقات له وفق آليات يتفق عليها، لكن الأهم من الميثاق نفسه هو تجمع هؤلاء الفرقاء في مكان واحد -ولو كان افتراضيا - بعد قطيعة وصدامات استمرت أكثر من 3 سنوات، وهذا التجاور في مكان واحد أحدث شرخا في جدار القطيعة والحاجز النفسي وفتح الباب لمزيد من التقارب والعمل المشترك.

لا يمكن القول أن الخلافات زالت أو أنها ستزول سريعا بين قوى الثورة، إذ لا تزال هناك قضايا خلافية مثل الموقف من الشرعية ومستقبل النظام السياسي والاجتماعي، لكن امتلاك قوى الثورة ورموزها الإرادة الصادقة لعمل مشترك لإنهاء حكم العسكر سيمكنها في النهاية من الوصول إلى تفاهمات مشتركة حول القضايا الخلافية تسمح لكل فريق بالاحتفاظ بموقفه في بعضها، أو بعرضها على الشعب لحسمها، مع تكثيف العمل في القضايا المشتركة وهي كثيرة.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل