أثار اتفاق
حلب الذي تم بين المعارضة السورية وروسيا برعاية تركية أسئلة كثيرة حول الأدوار التي تقوم بها الدولتان في الأزمة السورية.
فبعد توتر العلاقات بين الطرفين كلاميا، مرورا باختراق الطائرات الروسية للمجال الجوي التركي وصولا لإسقاط الطائرة الروسية في شهر تشرين ثاني/ نوفمبر من العام الماضي، تصاعدت حدة الأزمة بين البلدين، وقامت
روسيا بنشر منظومة "أس400" الجوية المتطورة، وهددت بإسقاط أي طائرة تركية تخترق الأجواء السورية.
حرم هذا الإجراء
تركيا من أي دور في الأزمة السورية، سوى عمليات القصف البعيدة للحدود الداخلية لسوريا.
وعادت العلاقات الروسية التركية مجددا، عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة في شهر تموز/ يوليو الماضي، وتعززت من خلال صفقات تجارية ضخمة، أبرزها اتفاقية تزويد الغاز لتركيا، بقيمة بلغت خمسة مليارات دولار أمريكي.
سحب القرار السياسي من إيران
وفي محاولة لتفسير الأدوار المختلفة لكلا الطرفين، قال الكاتب والمختص بالشأن التركي، سعيد الحاج، إن روسيا، إلى جانبها إيران والمليشيات المحسوبة عليها يتصرفون كأنهم حلف استراتيجي واحد في الإطار العام، مشيرا إلى وجود بعض الاختلافات في التفاصيل، وذكر الحاج مثالا على ذلك بما حصل في حلب.
وأشار الحاج في حديثه لـ"
عربي21"، الجمعة، إلى أن التدخل الروسي في
سوريا سحب القرار السياسي من إيران، على الرغم من الأهداف المشتركة بين الطرفين.
وقال الحاج: "في حلب، روسيا هي من أعلنت الاتفاق، وأعتقد بأن محاولات إفشاله من قبل مليشيات إيرانية وشيعية في جزء منها هو تبادل للأدوار، لتحصيل أفضل الشروط، وفي جزء آخر له علاقة بالتنافس وعدم الرضا التام، بخصوص هذه الأدوار".
وشدد الحاج على أن روسيا هي القوة الأكبر عسكريا، وصاحبة القرار الميداني، خصوصا في موضوع الطيران، إضافة للقرار السياسي التي تستطيع فرضه على النظام السوري.
وقال:"ذلك ظهر جليا في الإعلان عدة مرات سابقة عن وقف إطلاق النار، وكأن النظام السوري لا يملك من أمره شيء".
وعلى المستوى الدولي، قال الحاج إن دول العالم لديها تسليم بالدور الروسي، موضحا أن الخطابات الأممية والأوروبية والأمريكية تتحدث حول مسؤوليات روسيا في حماية المدنيين، أو الحديث عن أن التدخل العسكري خارج عن القانون.
وأضاف: "لا يوجد حديث عن الموقف السياسي والعسكري تماما، وكأنهم مسلمين تماما بالتدخل الروسي".
ضوء أخضر روسي لتركيا
وحول الدور التركي في المنطقة، قال الكاتب إن الدور التركي تراجع عقب إسقاط المقاتلة الروسية بشكل كامل، وإن عودة تركيا للمشهد لم تتم إلا عقب المصالحة الروسية التركية.
وأشار الحاج إلى عملية درع الفرات التي تشنها تركيا في شمال سوريا، قائلا، إنها ما كانت لتتم لولا الضوء الأخضر الروسي، بهدف حماية قواتها المتواجدة هناك.
وأضاف أن "تركيا حريصة على موافقة روسيا وعدم إغضابها، أو المواجهة معها، حتى خطابيا، في تحميلها مسؤولية ما يجري في سوريا".
وضرب الكاتب مثلا على أن تركيا دائما ما تحمل النظام السوري ومليشياته حصرا عمليات القصف، رغم أن الطيران الروسي هو من يقصف فعليا.
وكان رئيس وزراء تركيا، علي بن يلدرم، قال في تصريحات سابقة، إن عملية درع الفرات غير معنية بدخول حلب، وإن هذا كان من طلب الروس.
وحول هذا الجانب، قال الدكتور سعيد، إن سقف التدخل التركي في سوريا منذ فترة طويلة لم يعد موضوع إسقاط النظام، وذلك من خلال تصريحات أردوغان، التي قال فيها إن "درع الفرات ليست موجودة لإسقاط دولة أو شخص، بل هي لمحاربة الإرهاب".
وأضاف أن "السقف التركي تغير بشكل كبير مؤخرا، ولم تعد تركيا تتحدث عن الفصائل المسلحة، بل في الجانب الإنساني، من خلال التواصل مع روسيا لوقف إطلاق النار، ولإخراج المسلحين والمدنيين، لحقن الدماء، وفتح الحدود، واستقبال اللاجئين وإغاثتهم".
وأشار إلى أن ذلك هو تكامل بين الجانب الإنساني والسياسي في الدور التركي.
وحول تفضيل روسيا التعامل مع تركيا على أمريكا، قال سعيد الحاج، إن تركيا ما زالت تمتلك أوراق قوة رغم تراجع سقفها، مشددا على أنها تبقى دولة إقليمية وقوية، وأن حلب هي جوارها وعمقها الاستراتيجي، وقواتها موجودة على الأرض السورية.
وأشار أيضا إلى أن تركيا تعدّ لدى المعارضة مصدر ثقة حتى الآن، وبأنه هناك ثقة متبادلة، إضافة إلى علاقاتها الجيدة مع الروس، وبالتالي ما يؤهلها للعب وسيط بين الطرفين.
مراعاة المصالح الإيرانية
من جهته، قال الباحث في المركز العربي للأبحاث والدراسات، حمزة المصطفى، إن الكلمة العليا الروسية في سوريا لا يعني أنها وحيدة، بسبب عدم وجود قوات أرضية لها، وتعوض ذلك بإيران ومليشياتها، ومحاولاتها اليائسة لإعادة إحياء جيش النظام السوري.
وأوضح المصطفى في حديثه لـ"عربي21"، الجمعة، أن روسيا لديها القدرة على فرض الاتفاقيات وتوجيه المسار السياسي في سوريا كما تريد، مشددا على أنها لا تستطيع التحكم بكل مخرجات اللعبة بخواتيمها، وضرب مثالا بما حصل في حلب.
وأشار أيضا إلى وجود أطراف على الأرض قادرة على عرقلة أي اتفاق، قائلا: "حدود الدور الروسي الآن هو أنه صانع وموجه للسياسات العامة بشكل رئيس وراسم لاستراتجية البلد وشكل نظامها في المستقبل، ويحاول دائما أن يراعي المصالح الإيرانية والأسد".
وقال المصطفى، إن التدخل الروسي لم يكن فقط لإنقاذ نظام الأسد، بل كان أحد أهدافه، وأشار أيضا إلى أبعاد دولية أخرى، قائلا إن التواجد الروسي في سوريا هو مصلحة قومية روسية بالدرجة الأولى.
الإحباط التركي يقربها من روسيا
وذكر حمزة المصطفى أن التنافس بين تركيا وروسيا هو تاريخي منذ القرن التاسع عشر، مشيرا إلى تركة الرجل المريض، وقضايا حماية الأقليات التي تم التذرع فيها، والحروب التركية الروسية السابقة.
وقال أيضا: "أي تقدم في الدور التركي في المنطقة، يكون هناك تراجع روسي، والعكس صحيح".
وأوضح أن التقارب التركي الروسي سببه الإحباط التركي من السياسية الأمريكية، ورفضها المتكرر لكل مطالبها، والاستخفاف بها من خلال دعم قوات سوريا الديموقراطية".
وتعدّ تركيا هذه القوات منظمة إرهابية، وتقول إنها امتداد لحزب العمال الكردستاني، الذي يقاتلها منذ ثمانينيات القرن الماضي، بسبب طموحها بدولة كردية مستقلة.
ونوّه المصطفى إلى أن تركيا بدأت بالتحرك في سبيل رؤية أمنها القومي الخاص، دون أي اعتبارات للموضوع السوري، إذ تبدلت الأوليات بالنسبة لها، مثل حلب التي لم تعد كذلك.
تغير موازين القوة
وذكر الباحث أن معركة حلب التي بدأت قبل ثلاث سنوات، كانت تركيا تتدخل فيها بطريقة غير مباشرة لمنع سقوطها بيد النظام.
وقال :"منذ شهرين أو ثلاثة، بعد تطبيع العلاقات التركية الروسية، بدأت موسكو بدور جديد، مقابل تركيز تركيا على مدن الباب ومنبج أكثر من حلب، وبالتالي تقلص دور تركيا في حلب إلى دور الميسر والمسهل لعملية إنتاج تسوية، تضمن إخراج المدنيين منها، فتحولت تركيا إلى مفاوض وليس بلاعب، مقابل عملية درع الفرات".
وأشار حمزة المصطفى إلى أن روسيا أدركت أنها غيرت موازين القوة في سوريا بعد معركة حلب، لذلك هي الآن تترك مدينة تدمر للجيش الأمريكي، كما قال الروس.
وأضاف: "أصبحت سوريا الآن هي مناطق تقسيم نفوذ".
وقال: "روسيا ستكون اللاعب الأكبر فيما يتعلق بغرب سوريا، أما الشرق، فسيترك لأمريكا والتحالف الدولي، وضمن هذا الإطار تحاول تركيا الدخول لمدينة الباب".
وختم الباحث حديثه قائلا: "تركيا ستحاول الاستنجاد بالإدارة الأمريكية الجديدة التي من المفترض أن تكون مقربة من تركيا، وذلك من خلال إقناعهم بأن تكون تركيا رأس الحربة في استعادة مدينة الرقة".