لا يكفي أن يكون موقع بلاد العرب الجغرافي سببا لذبحهم وتمزيق وحدتهم، ولا يكفي أن تكون الأرض العربية مهبط الديانات السماوية سببا لدكهم بكل أنواع القذائف والصواريخ بعيدة المدى، ولا يكفي أن تكون بلاد العرب محط ترحال المصالح الدولية سببا لعناق الغربان فوق سمائها.
هنالك أسباب أخرى حفزت قوى الشر كي تتقاطر على هذه البقعة من الأرض، وتحول بين سكانها وبين ممارسة حقهم في الحياة الكريمة كبقية البشر؛ إذ كيف يصدق عاقل أن المجتمع الدولي الذي يحض على ممارسة الديمقراطية في أقصى بلاد الشرق، لا يسمح للديمقراطية بالوصول إلى بلاد العرب؟ وكيف نصدق أن المجتمع الدولي الذي يحرص على استقرار الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أفريقيا، يحظر على بلاد العرب الشعور بالاستقرار الأمني، أو التطور الحضاري أو حتى الازدهار الاقتصادي، فكيف بممارسة حرية الرأي؟
الذي يجري في بلاد العرب من تدمير للحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية والديمقراطية هو أمر متعمد، ويحظى برعاية تحالف دولي، له مصلحة في مساندة أنظمة الحكم المستبدة، ويسعى إلى إفساد حياة المجتمعات العربية، وتشويه صورة الإنسان العربي، الذي ضاقت أمام شبابه طرق النجاة من الاستبداد، وانسدت أمام نخبه الثورية آفاق الإصلاح، وأخفق في إحداث أي تغيير على النظام السياسي العربي بعد عدة محاولات، أذكر منها:
أولا: اعتماد السلمية طريقا للخلاص من ظلم الحاكم، بعد أن صدق الإنسان العربي الشعارات البراقة عن الديمقراطية، وعن حرية الرأي، فخرج الإنسان العربي إلى الشوارع بالملايين، وسار في المظاهرات بشكل حضاري، واعتصم في الساحات بشكل سلمي، وطالب بتغيير الأنظمة المستبدة بطريقة ناعمة، فكانت النتيجة مزيدا من وحشية الأنظمة، التي اعتمدت المذابح طريقا وحيدا للرد على السلمية، وفتحت لهم السجون، وأصدرت الأحكام القاسية بحق كل من تجرأ على المطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
ثانيا: اعتماد الغضب الثوري طريقا للتخلص من ظلم الحاكم، حيث تمرد بعض الشباب العربي، وشكلوا الخلايا المسلحة، وحاولوا زعزعة استقرار الأنظمة من خلال العنف، ولكن دون جدوى، فأنظمة الحكم العربية لا تعتمد الديمقراطية طريقا للحكم، ولا تخشى غضب الجماهير، ولا يحزنها الانهيار الاقتصادي، بل استمدت الأنظمة العربية من التفجيرات العشوائية قوة فعل ضد المواطنين، وبررت وحشيتها في قمع الجماهير.
ثالثا: اعتماد السيطرة على المدن طريقا لمواجهة الأنظمة، واللجوء إلى البارود المقاوم ردا على بارود السلطة القمعية، وقد دارت المعارك في عدة مدن، ولعدة سنوات، خسر فيها الإنسان العربي مقومات بقائه، وتمزق وجوده بعد أن تحالفت الأنظمة العربية مع القوى العظمى ضده، وتعمدت كسر إرادته، وتهشيم كرامته لعدة أجيال.
فما العمل؟ وما هي أنسب الطرق لمواجهة هذه الأنظمة التي تفردت بحكم الإنسان العربي، وفرضت نفسها عليه، وترفض أن تفك قيوده، وتتعمد إذلاله؟ وماذا بوسع الجماهير العربية أن تعمل كي تتخلص من هذ الكابوس الجاثم على صدر مستقبل الإنسان العربي؟
أسئلة تفتش عن الخلاص، وتحتم على المفكرين إعادة قراءة الواقع العربي من جديد، والبحث بشكل عاقل وموزون عن أنسب الطرق للتخلص من الاستبداد، وهل من الصواب مقاومة الطغاة العرب فقط، أم الأصوب هو مقاومة العدو الخارجي الذي يقف خلف الطغاة؟ وهل من الصواب أن يبتدع كل قطر عربي وسائله في مقاومة المستبدين، أم الأصوب هو اعتماد أسلوب موحد في مواجهة الاستبداد في كل بلاد العرب؟
أسئلة بحاجة إلى حوار رزين، وتفتح بابا للنقاش الهادف إلى الرقي بالإنسان العربي بعيدا عن تجبر الطغاة، وتسلط الأنظمة القمعية المجرمة.