كتاب عربي 21

في حلب.. مَن ربح ومَن خسر؟

نزيه الأحدب
1300x600
1300x600
ما هي حسابات الربح والخسارة التي أفرزتها مآلات الميدان في مدينة حلب السورية، لدى أطراف الصراع المباشرين وغير المباشرين؟. 

تنظيم القاعدة:
إذا كان صحيحا أن تنظيم القاعدة بأشكاله الجديدة قد انهزم في حلب، فهذا يعني أن شوكته ستنكسر ونشاطه سينحصر، لكن سجل الأحداث الماضية يبين أن "الغزوات" في أوروبا وأمريكا، دائما ما كانت تتم بعد هزائم في الشرق الأوسط من العراق إلى أفغانستان والصومال واليمن وفلسطين وغيرها، وعليه فإن هذا "الإرهاب" بعد جلائه عن أفغانستان طالبان بنى لنفسه استراتيجية مرحلية، لا تحتاج إلى جغرافيا، بل إلى مقتنياتٍ فردية مثل سيارة وحقيبة وشريحة هاتف وإنترنت وتذكرة طائرة أو قطار ولوازم تفجير. وبهذا المفهوم فإن مآل حرب حلب سيكون مصيدة نفسانية أكيدة لـ "إرهابيين" جدد، سيبحثون عن "القاعدة" للالتحاق بلعبة الموت وفي ذاكرتهم صورُ مدينة سُويت بالأرض؛ لأنها مسلمة سُنية –كما يعتقدون- وأصواتُ استغاثات نساء وأطفال لا يمحوها من أدمغتهم المصعوقة إلا حزام ناسف، يعيد إليهم رجولتهم التي شوّهتها مقاتلات "سوخوي" الروسية وحصار المليشيات الإيرانية الإمرة.

تنظيم الدولة:
حتى خصوم تنظيم الدولة يعتبرونه غير متضرر بتاتا من انكسار حلب لصالح محور موسكو، فالمنكسرون من خط "القاعدة" أو الجيش السوري الحر هُم خصومه الذين قاتلهم وقاتلوه في أكثر من معركة. وهو بات يطرح نفسه الآن على أنه القوة "السُنية" القادرة على المواجهة في سوريا والعراق. وقد أسهم في تلميع صورته الانسحاب المفاجئ لمحور موسكو من تدمر، بما يشبه تسليمها لتنظيم الدولة الذي سبق أن تسلم مدينة الموصل، في انسحاب مماثل للجيش العراقي في ظل حكومة نوري المالكي السابقة.

الجيش السوري الحر:
رغم حضوره المتواضع في معارك حلب، إلا أن سقوطها يعتبر خسارة كبيرة للجيش السوري الحر المدعوم من تركيا جارة حلب، الذي تكاد تصبح مهمته الراهنة الوحيدة السيطرة على مدينة الباب عبر تسابق مع وحدات الحماية الكردية على محاولة طرد تنظيم الدولة منها. 

الدولة السورية التقليدية:
يدرك القاصي والداني أن معركة حلب خيضت بالدرجة الأولى من الجو بالطائرات الروسية وعلى الأرض بالمليشيات الشيعية العربية والأعجمية بقيادة إيرانية، إضافة إلى إطباق الحصار الذي تولاه جيش النظام. وليس في حسابات كل من روسيا وإيران العودة إلى الدولة السورية التقليدية بنظامها وحزبها، بل لكل من الطرفين سوريته التي يتطلع إليها، بما ينسجم مع مصالحه وأدواره الجديدة في المنطقة.

وبالتالي فإن عمر النظام السوري يزداد قصرا بعد معركة حلب لصالح سوريا "المفيدة" لموسكو وطهران، وربما تكون مفيدة أيضا للرئيس بشار الأسد ومن يُمثل، خصوصا إذا امتلك الرئيس فلاديمير بوتن حصة الأسد في تحديد مصير وشكل النظام السوري الجديد.

إسرائيل:
منذ اليوم الأول لتحول الثورة السورية إلى حروب مسلحة متعددة الأطراف، وإسرائيل يزداد رصيدها من الأمن وقوة الإخضاع المستقبلية في المنطقة بالتعاون مع قيصر روسيا، الذي يتصرف وكأنه الوصي الجديد على مصالح إسرائيل.

إيران:
إيران هي الرابح الأكبر في سوريا حتى لو خسرت معركة حلب، فهي تحارب بالعرب والأفغان والباكستان على أراضٍ عربية لتكريس دورها المحوري، الذي يتعاظم على حساب النظام العربي الذي "تبهدل" بثورات الربيع العربي، ثم تمت "بهدلة" الثورات ومنعُها من إنتاج أنظمة جديدة.

روسيا:
لا تقلّ روسيا ربحا عن إيران في سوريا، إلا أن الفارق بين الدولتين المتعلق بطبيعة النظام، يجعل برنامج إيران أكثر ثباتا في المنطقة وفق رؤية دائرة الولي الفقيه، ولا يتغير بتغيّر رئيس جمهورية أو حكومة، ولا يتأثر بأزمات اقتصادية أو اجتماعية، فلا فلوس تستقطع من فلوس المعركة، ولا أصوات داخلية تعلو على صوتها. 

تركيا:
برغم الاتفاق التركي الروسي الضامن لأمن تركيا من جهة سوريا، فإن كل يوم يستمر فيه إطلاق النار في سوريا هو خسارة إضافية لتركيا المثقلة بالأزمات الداخلية والرازحة تحت عبء الإرهاب، المتنقل من حدودها إلى عمق أنقرة واسطنبول.

الشعب السوري:
هو أخسر الخاسرين، فلا تبدو فرصة في الأفق لقيام دولة حديثة حقوقية عادلة في سوريا، وهذا ما تكرس بعد المجازر بحق المدنيين في حلب دون أي تحرك مضاد مُجز من العالم ودوله ومنظماته الدولية. كما أن إمكانية العودة إلى نظام البعث على عِلاته باتت مستحيلة بوجود الرابحين الدوليين والإقليميين الجدد، تماما كما في العراق الذي بات ينظر أبناؤه بمختلف طوائفهم إلى عهد الرئيس صدام حسين، على أنه الفترة الذهبية التي ذهبت ولن تعود.
التعليقات (0)