لم أكن مستغربا من كلام الصحفي المصري مفيد فوزي في حواره مع الإعلامي حمدي رزق، عندما سأله الأخير عن فضيلة الإمام محمد متولي الشعراوي رحمه الله، وكان سؤاله: البعض يرى أن الشعراوي زرع التطرف، والبعض يرى أنه سلب العقول، والبعض يرى أنه مهد الأرض وخصبها لكل التيارات المتطرفة اللاحقة، فكانت إجابة مفيد فوزي: بأنه نعم هو من خصب الأرض للتطرف.
والحوار والإجابة يدلان على عدة دلالات، فأولا كانت نبرة الحديث عن البابا شنودة بحفاوة أكثر من الحديث عن الإمام الشعراوي، فشنودة عند ذكره سبقه سواء من حمدي رزق أو مفيد فوزي: قداسة البابا شنودة، غير أنه لم تكن نفس الهيبة والتقدير عند ذكر الشيخ الشعراوي، وهو أمر لا يقلل من قيمة الرجل وعلمه، لكنها دلالة واضحة في الحوار والإجابة.
الدلالة الأخرى المهمة، أن كلام مفيد فوزي، أكد هواجس لدى كثيرين من المسلمين، ممن ظلوا طوال حياتهم في تعاملهم مع الملف الطائفي، (مسلمين ومسيحيين)، يحرصون على تقديم صورة للإسلام السمح، وما كان يقوم به الطرف المسيحي من بعض الرموز المجتمعية، بما كانوا يقومون به من حفاوة وتقدير لرموز إسلامية، ثم في وقت ما تراهم يظهرون صورة أخرى، وكأنها هي الصورة الأصلية في النفوس، وذلك من خلال تعاملهم مع ملف التدين الإسلامي ورموزه وفرائضه، فمفيد فوزي أظهر موقفه من الحجاب، وهو أمر يدل على عدم اللياقة وقلة الذوق، والحقد الطائفي، فهو في بلد أغلبيته مسلمة، والحجاب بالنسبة لهم واجب ديني، يلبسه في ديانته الراهبات، ومع ذلك لا يجرؤ على الحديث عنه كما تحدث عن الحجاب الإسلامي، وهو ما أظهره من قبل بشكل وقح، عندما قامت الفنانة الراحلة ميرنا المهندس بارتداء الحجاب لظرف ما، فإذ به يكتب، دعوة منه لخلعها الحجاب، وأنه باحتجابها واعتزالها، سنحرم من الغمازتين، إشارة إلى غمازات الخدود، في أسلوب أقل ما يقال فيه: إنه وقح، ومستفز لمشاعر المسلمين، في الوقت الذي صدع رؤوسنا الكتاب من العلمانيين والليبراليين بضرورة الخطاب الذي يراعي مشاعر الإخوة المسيحيين، ومع ذلك توقح مفيد كعادته في حديثه عن التدين الإسلامي ورموزه. مما جعل البعض يتذكر المثل القائل: اللي في القلب في القلب يا كنيسة!!
أما الأخطر في الأمر، فهو إلقاء التهمة على عالم بقيمة الشيخ الشعراوي، بأنه بذر بذور التطرف، وهو كلام مجافي للحقائق التاريخية، بينما أسبغ التقديس على البابا شنودة، ناسيا أن العكس هو الصحيح بمقارنة الشعراوي بشنودة، فمعروف تاريخ شنودة منذ أن كان عضوا مؤسسا في تنظيم (الأمة القبطية)، واسمه وقتها: (نظير جيد)، وقام شنودة في هذه المجموعة بأعمال تطرف، حينما قامت باختطاف الأنبا يوساب الأول بابا الكنيسة، وإجباره على كتابة تنازل عن الباباوية، وذلك عام 1953م.
ولو رحنا نكمل بقية مواقف التعدي على الدولة والتحدي لها في مسيرة شنودة لرأينا مواقف كان حريا بمفيد فوزي أن يصمت خجلا، بدل أن يرمي بتهمة ثابتة على باباه وليس على الشعراوي، فمن الذي قام بإجبار الدولة على رد مواطنة مسلمة كانت مسيحية وأسلمت، وهي السيدة وفاء قسطنطين، واحتجازها في الكنيسة حتى الآن، وخروج مظاهرات للشباب المسيحي، واعتدائهم على قوات الأمن المصري وقتها، ولو تم ذلك من شباب مسلم لقام الأمن بسحقهم تماما؟ فهل قام الشعراوي باحتجاز مسلمة تنصرت، وضغط على الدولة لتسليمها له، في سابقة لا مثيل لها في تاريخ الدول؟ فالمعلوم أن الدولة تأخذ المواطن من المكان الخاص للدولة، لكن أن تقوم دولة بتسليم مواطن لجهة خاصة وهي الكنيسة، فهذا تجاوز لكل قوانين الدنيا والدول، إن لم يكن هذا هو التطرف الذي فعله شنودة مع وفاء قسطنطين والدولة المصرية فما هو التطرف إذن؟!
والأدهى والأمر أن مفيد فوزي راح يقيم الشيخ الشعراوي لغويا، ومفيد فوزي مسكين في اللغة العربية، فمن يشاهده في برامجه وهو يتكلم اللغة العربية، يكره اللغة، فكل كلمة يقوم مفيد فوزي بنطقها يقوم بتسكينها، لا يشكل كلمة واحدة، فتراه يقول مثلا: هلْ لكْ أنْ تخبرْ السادة المشاهدين عنْ رأيكْ في كذا؟ ويقف على كل كلمة وقوف العيي، ثم يأتي بلغته الركيكة ليقيم علامة في اللغة العربية؟!!
حاول حمدي رزق في مقال له بعنوان: (هل أخطأ مفيد فوزي في حق الشيخ الشعراوي؟!) أن يدافع عن مفيد، لكنه للأسف دفاع المتهم، فالاتهام الموجه لمفيد فوزي، موجه بدرجة ما لحمدي رزق، في طريقة السؤال والحوار، وهو ما نراه للأسف من هؤلاء الإعلاميين في نبرة حديثهم عن الرموز الدينية الإسلامية، فهل كان يمكن لحمدي رزق توجيه نفس السؤال عن الشيخ الشعراوي لمفيد فوزي عن البابا شنودة؟!!
[email protected]