مقالات مختارة

أنقرة وموسكو.. وسطاء أم أطراف في المفاوضات؟

1300x600
1300x600
ارتبكت الساحة الإعلامية يوم الخميس الماضي بعد تصريحات الرئيس التركي أردوغان، وإعلانه أن الهدف من عملية درع الفرات الإطاحة بالأسد، وازداد المشهد إرباكا بوصول وزير الخارجية الروسي لافروف إلى أنطاليا التركية، ليتبعه مسؤول ملف المفاوضات في المعارضة السورية رياض حجاب، ملتقيا وزير الخارجية جاويش أوغلو.

ما لبثت اللقاءات أن بدأت بين لافروف وجاويش فيما عرف بمجموعة التخطيط الاستراتيجي بين البلدين، حتى تحولت تصريحات أردوغان إلى موضوع يحتل الأولوية بالنسبة للرئاسة والخارجية الروسية، لتتسرب الأنباء مباشرة عن مفاوضات دائرة بين الروس والمعارضة السورية عقدت على وقع المعارك والقصف لمدينة حلب المحاصرة، مجلية بعضا من الحقائق المخفية وراء هذه التصريحات ومحاولات تبريرها.

المعركة الدبلوماسية والإعلامية تكشفت عن مساومات تجري على طاولة المفاوضات في أنقرة بين الروس والمعارضة السورية، تشمل وقفا لإطلاق النار، وإنشاء إدارة محلية في المدينة تشرف عليها المعارضة السورية، مقابل إخراج جبهة النصرة ومقاتليها من المدينة.

المفاوضات لم تفض إلى نتائج ملموسة، ولكنها مهدت لإطلاق تشكيل جديد يوحد فصائل المعارضة فيما عرف بـ»جيش حلب»، وترافق مع تعيين قائد جديد لحركة أحرار الشام بمحتوى سياسي، واقرب إلى الرؤية الإقليمية الداعية إلى حل سياسي، يترافق مع النشاط العسكري في سوريا.

تصريحات أردوغان لا يمكن فهمها إلا في ضوء هذا الحراك الدبلوماسي، ومجريات التفاوض الدائرة بين روسيا والمعارضة؛ فقدرة روسيا على الضغط على المعارضة السورية عسكريا لم تمنع أردوغان من التلويح بتطوير عملية درع الفرات ومستقبلها في ضوء التغير الحاصل في الإدارة الأمريكية، والتي تنحو منحى أكثر راديكالية في التعامل مع الأزمة السورية.

تبع تبرير تصريحات أردوغان تصريح لوزير الخارجية جاويش أوغلو في لبنان بعد لقائه الرئيس اللبناني ميشيل عون بالقول انه لا مستقبل للحل في سوريا بوجود الأسد؛ ما يعني أن تركيا تتأرجح بين لعب دور الوسيط في المفاوضات الروسية- التركية، ودور الطرف الفاعل والمؤثر؛ فالمسألة لا تتعلق بتفضيلات الرئيس التركي أو تباين وجهات النظر داخل مؤسسات الدولة، وإنما بالمصالح التركية العليا.

من جهتها، موسكو تعاني من نفس المأزق؛ إذ لم توضح إن كانت تفاوض باسم النظام السوري أو ايران، أم أنها تفاوض نيابة عن القوى الفاعلة في النظام السوري والمقربة لها، أم أنها تفاوض دفاعا عن مصالحها، ودورها في مستقبل سوريا؛ فروسيا ليست بأفضل حالا من تركيا في التعامل مع ملف المفاوضات مع المعارضة.

أمر دفع لافروف بعد ذلك بساعات من العاصمة روما إلى القول إن جيش حلب محاولة أخرى لتغيير مسمى النصرة، وهي الحجة التي تستخدمها موسكو لمتابعة القتال والغارات على المدينة، والتي قد تفضي إلى موجة لجوء، تخشى منها روما والقارة الأوروبية.

موسكو وأنقرة تعانيان من المأزق ذاته في التعامل مع الملف السوري؛ فكلاهما يريد الحفاظ على علاقات اقتصادية متطورة، ستبلغ قيمة التبادل التجاري فيها اكثر من 100 مليار دولار، إلى جانب تمرير مجلس النواب التركي والروسي اتفاقية السيل الجنوبي لنقل الغاز، وهو أمر له تداعيات اقتصادية مهمة على البلدين، دفع نحو الاعتراف المتبادل بالمصالح الأمنية والسياسية لكلاهما في سوريا؛ إذ علق احد المسؤولين الروس على موقف تركيا من سوريا بالقول إن «سوريا بالنسبة لتركيا كالقرم بالنسبة لروسيا»، في اعتراف صريح بالمصالح التركية في سوريا، وعلى رأسها المسألة المتعلقة بالخطر الكردي، الممثل بوحدات حماية الشعب التركي و»بي كي كي».

تركيا تزداد أهمية لروسيا يوما بعد يوم لمواجهة أي وجبة عقوبات أوروبية أمريكية جديدة على روسيا، تماثل وجبة العقوبات على ايران التي أقرها الكونغرس مع اقتراب استلام ترامب لمسؤولياته؛ ما يعني أن عنصر الزمن والتغيرات السياسية الانتخابية عنصر مهم، وحاسم في القدرة على مواجهة الضغوط، والبقاء في ساحة التأثير السياسي.

لا شك أن محاولة دور الوسيط في الأزمة السورية مسألة شبه مستحيلة بعد انخراط طويل ومباشر في الصراع الداخلي لكل من تركيا وروسيا، إلا أنه خيار ممكن في حال أبدت الأطراف في سوريا مرونة كبيرة، وأبدت روسيا قدرا من التفهم لواقع الخارطة السياسية السورية المعارضة.

فروسيا متواجدة من خلال قواتها الجوية، وقواعدها في طرطوس وحميمين، وتركيا موجودة من خلال قوات درع الفرات، وكلا القوتين تسعيان لتخليق حلول سياسية وعسكرية تعكس حجم التقارب السياسي والاقتصادي بين البلدين في أعقاب المحاولة الانقلابية في تركيا.

التقارب الروسي- التركي يمر بمخاض صعب واختبارات جديدة.. حلب واحدة منها تختبر قدرة الدولتين على إيجاد حل، بعيدا عن الصخب الإقليمي، وفوضى المصالح والتحالفات، بما يؤسس لإمكانية خلق بيئة مناسبة لحل سياسي، يسابق الزمن قبيل استلام الرئيس ترامب الأمريكي مهامه، ويعالج الفجوة في الرؤية بين موسكو وتركيا تجاه المعارضة السورية، ويحدد قدرة كلا الطرفين على ضبط إيقاع حلفائه داخل الأراضي السورية.

اللافت أن المعارضة السورية تتفاعل بإيجابية مع هذه التحولات، وتتأثر بها بشكل إيجابي رغم الضغوط العسكرية الهائلة التي تتعرض لها، مظهرة قدرا معقولا من المرونة، والقدرة على المناورة قابلة للتطور كنهج سياسي وعسكري متطور، يحظى بمشروعية سياسية ودولية، ويؤسس لكيان سياسي معارض اكثر صلابة وتنظيما من الناحية السياسية والفكرية.

فتفاعل تركيا السياسي مع الحالة المعارضة، ومحاولة تسييسها وترجمة صمودها العسكري إلى فعل سياسي بتأثير من معارك حلب، يدفع إلى اقتراب والتفاف المعارضة أكثر حول نهجها السياسي، والحد من تأثير القوى والمصالح المتعارضة إقليميا، والتي أثرت على وحدة المعارضة السورية.

في المقابل، فإن لعب موسكو دورا مباشر في المفاوضات قد يحد من تأثير طهران ومليشياتها، ويعزز التيارات الأكثر اعتدالا، فيما تبقى من النظام السوري للانخراط في عملية سياسية أوسع.

السبيل الأردنية
0
التعليقات (0)