هناك فرق كبير بين الشكل والمضمون في موضوع الانتخابات النيابية التي جرت في الكويت يوم السبت الماضي. الشكل يدعو إلى الإعجاب، لكن المضمون يدعو إلى التوجس، وهو ما يفرض حكما توقع أن يعود الكويتيون قريبا إلى صناديق الاقتراع في انتخابات جديدة، ربما لأن عددا من أعضاء مجلس الأمة الجديد لا يلتفتون إلى الأبعاد التي فرضت الذهاب إلى الانتخابات قبل موعدها، لا لجهة ارتفاع التحديات الخارجية أمنيا وسياسيا، ولا لجهة التحديات الداخلية اقتصاديا وخللا في العمل البرلماني.
في الشكل، من الضروري الاعتراف وبإعجاب للنظام وللشعب الكويتي بالمراس والمران على العودة الهادئة والمنضبطة إلى الانتخابات بوتيرة متلاحقة، ومن دون حصول أي اضطراب أو مشاكل، على ما نراقب مثلا ما يجري الآن في أمريكا من تشكيك وحديث عن تزوير وما شابه، وليس خافيا أنها الانتخابات السابعة في الكويت خلال عشرة أعوام.
الأهم طبعا هو المضمون والدور، والمقصود هو مدى قدرة المجلس الجديد على مواجهة نارين، أولا نار التحديات الأمنية وتغوّل المذهبية في الرياح السياسية الإقليمية، وتحديدا في العراق وسوريا واليمن، وثانيا نار التحوّلات الحاسمة في مرتكزات الدورة الاقتصادية، التي ترسي العلاقة بين الدولة والمواطن منذ خمسين عاما، ولكن على قواعد رفاه رعائي تؤمنه الدولة للمواطن معتمدة بنسبة 90% على النفط الذي فقد نصف قيمته وربما أكثر.
قبل أكثر من عام، وجّه الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح رسالته الواضحة إلى الكويتيين عندما قرر تقليص مخصصات الديوان الأميري، ودعا مجلس الأمة السابق إلى التنبّه إلى مخاطر المضي في النمط الاستهلاكي على حساب التنمية والاستثمار في الإنسان، بما يؤسس لعقد اجتماعي جديد تحتاج إليه الكويت كما تحتاج إليه كل الدول النفطية، التي عليها إعادة ترتيب الدورة الاقتصادية على قواعد جديدة.
نتائج الانتخابات التي حملت 24 نائبا معارضا من أصل خمسين إلى مجلس الأمة، قد تشعل الضوء الأحمر، دفعا لانتظام عمل السلطة التشريعية على قواعد تتهيب التحديات المشار إليها، وتستدعي الانخراط الإيجابي البناء في ورشة تعاون وطني مع السلطة التنفيذية، تهدف فعلا إلى وضع القواعد والبرامج الضرورية، التي يمكن أن ترسي العقد الاجتماعي الجديد الذي تحتاج إليه الكويت، ويقوم فعلا على التضافر الحيوي بين السلطة والفرد.
النواب الذين فازوا بعد المقاطعة نتيجة القرع على شعبوية انتقاد إجراءات التقشف، سواء أكانوا من الإسلام السياسي أو من الضلع القبلي أو حتى من الليبراليين، عليهم الآن ممارسة دورهم التمثيلي على قاعدة الشركة الإيجابية في الورشة الضرورية لرسم طريق الاستقرار والتنمية، وليس الانخراط في مسالك تقرب من الروح العقابية، التي يمكن أن تعطّل دورة العمل لفتح الأفق أمام المستقبل الذي يحثّ عليه أمير الكويت.