ما الجديد الذي ذكرته والدة الشهيدة أسماء عن قبرها؟
كيف تشكلت "العجينة" الثورية داخل أسرة القيادي الإخواني؟
مما كانت تخشاه سناء الأم يوم مجزرة رابعة؟ وعلى من زاد قلقها؟
مستعدون لدفع الأثمان حتى النهاية ولهذه الأسباب لن نضحي بالمزيد
يظل الحديث معها، ذا طابع خاص، مهما تعددت أحاديثها، ولما لا، وهي مثال يحتذي به في الصمود والثبات لأسرة تجمعت فيها كافة أشكال الانتهاكات، من قتل للابنة، واعتقال للأب والأبناء، وإخفاء قسري للطفل الصغير، وإصدار حكم بالحبس للزوجة، ومنعها من زيارة زوجها وابنها المعتقلين، ومطاردتها داخل مصر، وإجبارها على الخروج منها.
إنها سناء عبد الجواد، زوجة أحد رموز ثورة 25 يناير، والقيادي بجماعة الإخوان المسلمين، الدكتور محمد
البلتاجي، والمعتقل حاليا ونجله أنس بسجون العسكر، ووالدة الشهيدة أسماء، الابنة الوحيدة، في أسرة لم ينجو أحد فيها من بطش الانقلاب العسكري، حتى الطفل الصغير خالد (14 عاما)، تم اعتقاله مرتين، إحداها تم إخفاؤه قسريا لمدة طويلة، تعرض خلالها لأبشع صور التعذيب والانتهاكات.
"
عربي21" التقى سناء عبد الجواد التي أصبحت هي وأسرتها أحد أيقونات الثورة المصرية، وجدد الحديث معها حول الجانب الاجتماعي لحياة هذه الأسرة الثورية، التي أكدت مرارا وتكرارا، أنهم غير نادمين على كل هذه التضحيات والأثمان التي دفعوها، هم وغيرهم من أحرار الشعب المصري، من أجل الحرية والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، فإلى تفاصيل الحوار التالي:
بداية ما هي آخر أخبار الدكتور محمد البلتاجي؟
الحديث عن حال الدكتور البلتاجي له جانبين الأول أنه لا تزال سلطات الانقلاب العسكري تمارس بحقه أشد أنواع التعذيب والانتهاكات، استمرارا لمسلسل تصفية الحسابات، سواء من المخابرات أو الداخلية، أو شبكات البلطجة، كل هؤلاء اجتمعوا لتصفية حساباتهم معه داخل المعتقل، والعالم شاهد الفيديوهات التي تحدث فيها الدكتور البلتاجي داخل المحكمة عن بعض تلك الوقائع، أبرزها أن أحد مساعدي وزير الداخلية المسؤول عن مصلحة السجون أشرف بنفسه على تعذيبه، ويدخل عليه في الليل صحبة كلاب بوليسية من أجل تعذيبه، ويقوم مساعد وزير الداخلية باستدعائه بشكل شبه متكرر ويتعمد إهانته بشكل يتجاوز كل الحدود والأعراف.
أما الجانب الثاني عن أحوال الدكتور البلتاجي، أنه رغم كل ذلك يتمتع بروح معنوية مرتفعة جدا جدا يشعر بها كل من يشاهد مقاطع الفيديو الخاصة بمحاكمته، وهو في منتهى الصمود والثبات وعلى استعداد لأن يكمل الطريق إلى النهاية مهما كانت.
هل كنت تتوقعين أن حقد الانقلاب العسكري سيصل إلى تعمد اغتيال ابنة د.محمد البلتاجي؟
كنت دائما أخشى أن يصيب أسماء أي أذى، نتيجة مواقف والدها الصارمة والمباشرة في وجه الظلم والاستبداد، خاصة بعد الانقلاب العسكري، وكنت دائما أحرص أن تكون بجواري خلال مشاركتنا في المسيرات والفعاليات الثورية، وفي يوم مجزرة رابعة لا أدري لماذا تركز كل قلقي وخوفي على زوجي وأولادي، ولم أكن أتوقع أن يقتلوا بنتا، بعد أن يتم رصد مكانها وقنصها من الطائرة، وأن يصل الانتقام لهذا الحد.
كيف أصبحت أسماء أيقونة للثورة المصرية بعد استشهادها؟
أسماء لم تكن عضوا في جماعة أو حزب سياسي، ولكنها كانت ثورة في حدا ذاتها، رغم هدوئها ورقتها المعهودة، ولم تكن ترضى أبدا بأي تجاوزات أو أخطاء أو تقصير في أي قضية من قضايا البلد، وكانت تسهر يوميا لبعد منتصف الليل تنتظر والدها لتناقشه في تلك القضايا، وتطرح عليه ما لديها من حلول واقتراحات، وشاركت أسماء في كل فعاليات الثورة، وناصرت كل قضايا المظلومين، وشاء ربنا أن تصبح أيقونة الثورة، وتوحد بدمائها كل فصائل الثورة، سواء كانوا إخوانا أو 6 إبريل أو اشتراكيين ثوريين، أو غيرهم، ومن هذا المنطلق أدعو جميع فصائل الثورة المصرية إلى التوحد على الأهداف المشتركة، وأن يجعلوا من دماء الشهداء، وحقوق المعتقلين، والمظلومين، أرضية ثابتة لهذا التوحد، وتنحية الخلافات التي لا تفيد الثورة في شيء، وتكسر قلوب أهالي الشهداء والمعتقلين، وتصب في مصلحة الانقلاب العسكري.
الصمود والثبات لأسرة د.البلتاجي، لا يتناقضان مع حجم الألم الذي وقع عليكم بعد استشهاد أسماء، هل يمكن أن تصفى لنا صورة من هذا الألم؟
فجعتنا في أسماء كانت كبيرة جدا، لا توصف، أسماء لم تكن كأي بنت، بالنسبة لنا جميعا كأسرة، وبالنسبة لوالدها على وجه الخصوص، حتى إنه بعد قتل أسماء ذهبوا لقبرها وأزالوا اللوحة الرخامية التي وضعناها على قبرها وكتبنا عليها هنا قبر الشهيدة أسماء البلتاجي، فيذهب زملاؤها ويقومون بترميم التشوهات التي حدثت للقبر خلال انتزاع اسم الشهيدة من عليه، ولا أدري ما الذي يخيفهم أو يضيرهم من أسماء بعد استشهادها.. يقومون أيضا بعمل دوريات عسكرية تمر من أمام القبر لرصد من يزور القبر، نحن نتعامل مع نظام مجرم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لا يراعي لا قانون ولا حرمات ولا إنسانية ولا أي شيء.
ما هي أكثر المشاهد التي أثرت فيك؟
أكثر مشهد مؤلم، ولا يفارقني، ويؤلمني كل لحظة، هو أن أرى بنتي تنزف وتتألم أمام عيني، ولم أعرف أن هذه لحظات احتضارها، ونهاية حياتها إلى الأبد، وعندما كنت أمسح على وجهها كانت تطمئنني وتقول لي "متقلقيش يا ماما أنا كويسة" رغم أنها كانت مصابة برصاص حي وكنت أظن أنه مجرد جرح وسيتم معالجته.
من أين تستمد أسرة الدكتور البلتاجي الصمود والثبات؟ وكيف تكونت "العجينة" الثورية داخل الأسرة؟
مثلي مثل غيري من الأمهات والزوجات، يؤلمها كثيرا ما يصيب أولادها أو زوجها، ولم أكن أتخيل أن أتحمل أو أستوعب في يوم من الأيام، قبل الانقلاب العسكري، أني سأفقد ابنتي وأحرم من زيارة قبرها، ويعتقل زوجي وابني ولا نستطيع زيارتهما وأحرم من رؤيتهما والاطمئنان عليهما، أو حتى أن نصبح مشردين ونجبر على الخروج من مصر، لكن الانقلاب العسكري، واستشهاد أسماء، تحديدا، جعلني أكثر إصرار على استكمال الثورة رغم الألم الذي لا يتنافى مطلقا مع الصمود والثبات من أجل قضايانا العادلة، والحمد لله لم نترك فعالية من فعاليات الثورة منذ اليوم الأول لثورة 25 يناير 2011 أيا كانت إلا وشاركنا فيها جميعا، وهو ما شكل ارتباطا ثوريا للأسرة إلى جانب الارتباط العائلي.
اسمحي لي أن أوجه لك سؤالا صادما: هل أنت على استعداد لسماع خبر تنفيذ حكم إعدام البلتاجي؟
لا طبعا، ليس لدينا استعداد لسماع خبر كهذا، كفاية أسماء، وخليني أكلمك بوضوح أكثر، نحن جميعا كأسرة على استعداد لدفع المزيد من الأثمان والتضحيات إلى النهاية، على أن تكون في إطار خطة أو رؤية تحقق كامل أهداف الثورة، وتعيد للثورة كافة مكتسباتها، أما أن نظل نضحي بالمزيد دون أن يكون هناك طريق واضح للثورة، فأنا لست على استعداد لذلك.
في ظل كل هذه التضحيات التي قدمتها أسرة الدكتور البلتاجي، كيف تنظرون إلى حالة الخلاف داخل جماعة الإخوان المسلمين؟
للأسف لا يوجد رؤية ولا وضوح ينبني عليه خطة واضحة لاستكمال طريق الثورة، حتى ولو بعد حين، وهذه الخلافات تصب في صالح الانقلاب العسكري، سواء داخل الإخوان، أو بين أحزاب التيار الإسلامي، أو حتى بين القوى الثورية المختلفة، وعلى الجميع أن يتوحد من أجل إنقاذ مصر.
حضرتك متفائلة؟!
إن شاء الله متفائلة بوعد ربنا لنا أنه سينصر المظلوم ولو بعد حين، وقد تعرضنا لكل أنواع الظلم وفي أولادنا وأزواجنا، ولكن "يا ناس لازم تنتبهوا وتصحوا وتدافعوا عن حقوقكم وحقوق أولادكم، اجتمعوا وشوفوا حل للبلد".