لا تمر مشاركة اقتصادية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان حتي يدعو - ليس تركيا فقط - بل العالم أجمع إلى تقرير المشاركة في الربح والخسارة بديلا عن سعر الفائدة - الذي يعتبره أداة للاستغلال - وإبراز معالم الاقتصاد الإسلامي.
وقد ظهر ذلك جليا في اجتماع قمة العشرين في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 بأنطاليا بتركيا حيث دعا إلى وجوب التركيز على التمويل الإسلامي كجزء من التمويل الاقتصادي العالمي، كما ظهر ذلك واضحا بصورة عملية عبر افتتاحه في أيار/ مايو 2015 لأول فرع لبنك حكومي إسلامي (البنك الزراعي) في تاريخ البلاد بمدينة إسطنبول، ووصفه هذا الحدث بأنه "خطوة تاريخية" داعيا سائر البنوك المملوكة للحكومة إلى السير على خطى البنك الزراعي التشاركي.
كما جاءت تصريحات العديد من المسؤولين الأتراك في هذا الاتجاه، ومنهم نائب رئيس الوزراء التركي، محمد شيمشك، الذي قال إن "بلاده تواصل العمل لتحويل مدينة إسطنبول مركزا ماليا عالميا، ومركزا للتمويل التشاركي".
واتسمت تجربة تركيا بصفة عامة بأنها تجربة اقتصادية تنموية من نوع فريد، وأن التدرج كان عاملا مهما في نجاح التجربة مع بعد الرؤية ووضوحها، ويشكل التمويل الإسلامي خمسة في المائة من إجمالي السوق المصرفية التركية، ولكن الحكومة التركية سبق لها أن أعلنت عن خطة لرفع حصة التمويل الإسلامي إلى عشرين في المائة بحلول عام 2023.
وعرفت تركيا ظهور أول بنك إسلامي من خلال بنك "البركة ترك" الذي تم افتتاحه في العام 1984، ثم جاء بعد ذلك افتتاح بنك "كويت ترك" في العام 1989، حتى وصل عدد البنوك الإسلامية حاليا في تركيا خمسة بنوك ممثلة في البنكين السابقين فضلا عن بنك "تركيا فاينانس"، والبنكان الحكوميان "الزراعة" و"وقف". وهذا ضمن 52 بنك تركي تتوزع بين 3 بنوك حكومية، و10 خاصة، و21 بنك أجنبي، و13 مصرفا استثماريا، و5 بنوك إسلامية.
وشكل مجموع الأصول في البنوك الإسلامية التركية خلال الشهور الثمانية الأولى من العام الجاري نحو 5.10 في المئة، من نسبة جميع أصول البنوك في البلاد ، مقارنة مع أقل من 4.5 في المئة العام الماضي. كما بلغت أرباح البنوك الإسلامية التركية عن نفس الفترة 759 مليون ليرة تركية.
ولم يقتصر الأمر على ذلك فاتجهت تركيا أيضا إلى إصدار صكوك إسلامية حيث بدأ بنك الكويت ترك بإصدار الصكوك عام 2010، تبعته الخزانة التركية عام 2012 بإصدار صكوك بقيمة 1.5 مليار دولار، كما أصدر بنك البركة ترك صكوك بقيمة 350 مليون دولار أمريكي في العام 2014 لتصل قيمة الصكوك في السوق التركية في ذلك العام إلى 8 مليارات دولار.
وسعيا وراء توفير الكوادر اللازمة للعمل المصرفي والمالي الإسلامي اتجهت الجامعات التركية للاهتمام بتدريس الاقتصاد الإسلامي، حيث كان السبق لجامعة اسطنبول صباح الدين زعيم في بداية العام الماضي في فتح قسم خاص بالدراسات العليا في الاقتصاد الإسلامي بمدينة إسطنبول، باللغتين العربية والتركية، كما كان للجامعة السبق أيضا في افتتاح "مركز البحوث والتطبيقات للاقتصاد والتمويل الإسلامي" في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي ليكون أول مركز متخصص في هذا الجانب في تركيا لتأهيل كوادر خاصة، تستطيع العمل في المصارف التشاركية الملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية، داخل وخارج تركيا، إلى جانب تقديم دور مهم على الصعيد الأكاديمي فيما يتعلق بهذه المصارف. ويقدم المركز خدماته (دراسة وتدريب) باللغات العربية والتركية والإنجليزية.
إن قراءة الماضي والواقع واستشراف المستقبل يعكس أن اسطنبول هي المؤهلة لتكون عاصمة الاقتصاد الإسلامي وليس غيرها سواء من حيث البعد التاريخي أو الجغرافي. فاسطنبول لها جذورها التاريخية الحضارية كعاصمة للخلافة الإسلامية فضلا عن موقعها الجغرافي المتميز، وما تتسم به من حرية اقتصادية، وطفرة استثمارية وتنموية، وتبني الحكومة للتمويل والاقتصاد الإسلامي، وأفول نجم لندن نحو سعيها لتكون عاصمة للاقتصاد الإسلامي بخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوربي. كما أن دبي أو كوالالامبور لا يمكن أن تصل وفق هذه المعايير لمكانة اسطنبول الحضارية والجغرافية.