مقالات مختارة

من السيسي إلى ترامب.. الشكل والمضمون

جمال سلطان
1300x600
1300x600
الاحتفال بمواقف الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب يبدو أنه مبكر جدا وسابق لأوانه هنا في مصر؛ لأن الواضح أن الرجل يتراجع بسرعة كبيرة عن كل المواقف التي تعهد بها وهو يسوق نفسه في الجولات الانتخابية، من أول تراجعه عن إلغاء قانون الرعاية الصحية إلى تراجعه عن بناء السور العازل مع المكسيك، إلى تراجعه عن موقفه من المسلمين، وغير ذلك.

 كما أن الذين قالوا أن الرجل مغرم بشخصية الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر يتجاهلون أنه قال أيضا إنه معجب جدا بشخصية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وشخصيته القوية، بل بالغ بالقول إن ابنته أيضا معجبة به! أي أن الرجل يعجب بالشخص ونقيضه، ومن الواضح أن الخطاب المتطرف والديماجوجي الذي استخدمه في الانتخابات كان مجرد جواد ركبه؛ لكي يصل للبيت الأبيض، وبعد أن حقق حلمه بدأ يتعامل مع واقع مختلف، ويرضخ لحساباته المؤسسية وليست الجماهيرية، والحقيقة أن هذا ليس هو موضوع مقالي اليوم، وإنما موضوعه التوافق العفوي بين السيسي وترامب في الاحتفال بالصورة أكثر من الواقع، وبالشكل أكثر من المضمون. 

فقد أعلن ترامب خلال جولاته الانتخابية أنه سيتنازل عن راتبه القانوني رئيسا للولايات المتحدة، وقد عاد في حديثه التلفزيوني الأخير إلى تأكيد تعهده بأنه سيتنازل عن راتبه، وسيصرف منه دولارا واحدا فقط، كاحترام للقواعد فقط، والحقيقة أن راتب الرئيس الأمريكي الذي لا يتجاوز أربعة وثلاثين ألف دولار شهريا (400 ألف دولار سنويا)، هو أمر هامشي جدا وشكلي، وهو أقل مما يتقاضاه موظفون أو مديرون في شركات ترامب ذاته، بل هو أقل مما يمكن أن تتقاضاه ابنته عن نشر مذكرات كلبها، وعندما تكون مسؤولا عن ميزانية دولة تتجاوز عدة تريليونات من الدولارات، ثم تكلمني عن أقل من نصف مليون دولار ستوفرهم للخزينة العامة، فهذا كلام للمنظرة فقط، وإعطاء رسالة بأنك "مستغن"، وليس عن هذا يبحث الناس، وليست تلك قضية الناس، أن تتقاضى نصف مليون أو حتى عشرة ملايين أو تتبرع بهم. 

الأهم للناس أن تحسن إدارة اقتصاد بلادهم بما يزيد من دخل المواطن نفسه، ويحسن الخدمات الصحية والتعليمية بالنسبة له، ويخفف العبء الضريبي عليه، ويحافظ على سعر مناسب للوقود والطاقة، ويطور البنية الأساسية للبلاد، إن قرارا واحدا خاطئا من رئيس الجمهورية يمكن أن يكلف الدولة مئات المليارات من الدولارات سيتحمل فاتورتها المواطن نفسه في النهاية، فما قيمة أن يتبرع الرئيس "بشوية فكة" عدة آلاف من الدولارات ويعتبر أنه تكرم على الشعب بهم، أو أن هذا دليل على نزاهته وتضحيته.

 الأمر نفسه حدث مع الرئيس السيسي في بداية توليه مهام السلطة في 2014، عندما أعلن أنه سيتبرع بنصف ثروته من أجل دعم اقتصاد البلد، في مبادرة حسن نية وتشجيعا للناس على التبرع، لكن الحقيقة أن هذا موقف شكلي، لا قيمة له من الناحية العملية بين الناس؛ لأن ثروة السيسي، سواء من عمله بالقوات المسلحة أو من ميراثه من والده، لن تتجاوز بضعة ملايين من الجنيهات، فهو ليس ساويرس، والناس لن يعنيها ولن يفيدها كثيرا ولا قليلا أن يتبرع بها كلها أو ربعها، فهي أقل من راتب سنوي لمدير بنك كبير، ولكن الناس تختار القائد لكي يضع السياسات التي تحسن من وضعه المعيشي وتخفف من عبء الحياة وضغوطاتها عليه، ويوفر فرص عمل جيدة ويحسن من دخله ومن الخدمات التعليمية والصحية التي يحتاجها ويوفر له السكن الملائم والبنية الأساسية التي تليق بآدميين. 

والحقيقة هنا –أيضا- أن قرارا واحدا خطأ يتخذه الرئيس يمكن أن يكلف البلاد خسائر تصل لمليارات، ويحيل حياة الناس إلى جحيم لا يطاق، ويجعل مستواهم المعيشي أكثر بؤسا من ذي قبل. 

القيادات الجادة -التي تملك رؤية ومشروعا نهضويا شاملا- لا تنشغل عادة بمثل هذه "الاستعراضات"، وإنما تركز على العمل والتخطيط والبناء، والإدارة الكفؤ، وحسن اختيارات الكفاءات، وتوسيد الأمر لأهله في المناصب العليا للدولة، والبعد عن المجاملات، والعمل من أجل الوطن، كل الوطن. 

المصريون المصرية
0
التعليقات (0)