«ترامب خطر دائم بالنسبة لإسرائيل، صاروخ غير مُوجّه ضدّها» هذا باختصار كان موقف الدولة العبرية من الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب عندما أعلن عن ترشحه للرئاسة في إطار الحزب الجمهوري، حينها وجدته غير ملائم كي تدعمه بل دعمت أكثر من مرشح جمهوري في بداية الحملات الانتخابية، فهو من وجهة نظر وسائل الإعلام الإسرائيلية في ذلك الوقت يتأرجح بين الوسط المعتدل واليمين الراديكالي، فيما يخص ملفات الشرق الأوسط، ومع أنه أعلن تأييده المطلق لإسرائيل، إلاّ أنه ألقى عليها مسؤولية غياب السلام، استنكر الاتفاق النووي الإيراني إلاّ أنه لم يتعهد بإلغائه منذ اليوم الأول لوصوله إلى البيت الأبيض كما فعل كل من كروز وروبيو، تعهد ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، إلاّ أنه رفض تأييد توحيدها عاصمة للدولة العبرية، وحتى معاداته للإسلام نظرت إليها إسرائيل نظرة سلبية وضد مصالحها، لأن هذه التصريحات قد تؤثر على جهود الدول الخليجية للتطبيع معها، إلاّ أن اللافت في انتقادات وسائل الإعلام الإسرائيلية المنقولة عن بعض القيادات الإسرائيلية، أن أي إهانة قد توجه إلى ترامب، فإن رده سيكون غاضبا ومزمجرا، فهو لا يتحمّل أي درجة من درجات الإهانة، فإذا قام نتنياهو باستفزازه كما فعل مع الرئيس أوباما، فإن العواقب ستكون وخيمة على نتنياهو وإسرائيل، ولن يأبه ترامب بمسألة تمويل اللوبي اليهودي، فهو ليس بحاجة له، ويشار هنا إلى أنه على خلاف كبير مع معظم المحافظين في الحزب الجمهوري، خاصة هؤلاء الذين يعتبرون من أصدقاء إسرائيل، وللتذكير فإن هؤلاء وقفوا ضد ترشُّحه وأعلنوا عَبر صحيفتهم «ناشيونال ريفيو» أنهم سيعملون على نزع شرعيته.
يُقال إن سياسة الرئيس الأمريكي الجديد، تظهر بوادرها في المائة يوم الأولى لولايته، ما حدث أن سياسة ترامب إزاء الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي ظهرت حتى قبل أن يلتقي بالرئيس المغادر للبيت الأبيض، ففي مفارقة لا يجب تجاهلها، أقدم ترامب على دعوة نتنياهو لزيارة واشنطن، وذلك في اليوم الأول لفوزه، ولم يقدم على دعوة أي رئيس آخر مثلما فعل مع نتنياهو، فالمفاجأة لم تقتصر على فوز ترامب، بل إنها تمثلت في تجاهل كل ما ذكرناه في الفقرة الطويلة السابقة، حتى إن إسرائيل تذكّرت ورقة بحثية أعدها الخبير العسكري الإسرائيلي عمير ربابورت ونشرها موقع «يسرائيل ديفنس للدراسات العسكرية» تناولت زيارة رودلف جولياني الرئيس السابق لبلدية نيويورك وأقرب أصدقاء ترامب لإسرائيل قبل حوالي شهر من فوز ترامب، هذه الزيارة كانت تمهيدا لعلاقات إسرائيلية ـ أمريكية في حال فوز ترامب، جولياني عقد عدة اجتماعات مغلقة مع قيادة شركة «رفائيل» الخاصة بالصناعات العسكرية، جولياني هذا مرشح وحيد لمنصب «المدعي العام» أو وزير العدل في واشنطن.
كما تذكّرت إسرائيل، كي تبرر ترحيبها الحار بفوز ترامب خلافا لانتقاداتها التي سبقت فوزه، أن ديفيد فريدمان، هو المرشح الوحيد لمنصب سفير واشنطن إلى إسرائيل، فريدمان، وهو شخصية مقرّبة من رابطة «أصدقاء مستوطنة بيت إيل» بالولايات المتحدة، ومن أكبر الداعمين لإسرائيل وللاستيطان!
ويعتقد على نطاق واسع، أن ترامب سيفاجئ الجميع، وخلافا لعشرين مرشّحا رئاسيا سابقا منذ العام 1972، وعدوا في أثناء حملاتهم الانتخابية بنقل السفارة الأمريكية، ستين كيلومترا عن تل أبيب إلى القدس المحتلة وعلى أيّ منهم، عندما وصلوا إلى البيت الأبيض ومنهم جورج بوش الابن وريغان، المقدمات التي أشرنا إليها، تجعل من ترامب في الغالب أوّل رئيس أمريكي يفي بتعهده بنقل سفارته إلى القدس المحتلة، وفي هذا السياق سيدعم ترامب هذا الوفاء بتعهده، بصدور «قانون نقل السفارة الأمريكية إلى القدس» في موعد أقصاه 31 أيار 1999، الذي سنّه مجلس الشيوخ عام 1995، سيقول ترامب لمعارضيه إنه إنما يُنفِّذ قانونا لم يُنفَّذ!!
لسنا بحاجة إلى انتظار مائة يوم أولى من تسلُّم ترامب مفاتيح البيت الأبيض كي ندرك أن إسرائيل ستكون في وضع أفضل معه، ومن الصحيح القول، كما نعتقد، أن سياسة ترامب الخارجية، لن تكون مثلما وعد به في أثناء حملته الانتخابية، إلاّ في سياق سياسته إزاء الدولة العبرية، خاصة أن ما يُقال عن ترتيبات فريقه الوزاري واختياراته للمواقع الحسّاسة في إدارته، تشير إلى أنها كلها ـ حتى الآن ـ تصطف بقوة نحو دعمٍ مطلق غير مسبوق لإسرائيل.
في ظل هذا الأمر، على الجانب الفلسطيني أن يتخذ خيارات صعبة لكنها ضرورية، ووقف الرهان على الدور الأمريكي، وتوسيع دائرة التحالفات مع قوى أخرى كروسيا والاتحاد الأوروبي، دون أن نتجاهل إنهاء الوضع الداخلي المتأزِّم، الأمر الذي يستوجب رسم سياسة جديدة تأخذ بعين الاعتبار هذه التداعيات الخطيرة، والمواءمة بين العمل السياسي ودعم كل أشكال مقاومة الاحتلال، وتأكيد ضرورة إحياء المنظومة العربية الداعمة لقضيتنا الوطنية!!