أسوأ استنتاج تتوصل إليه الحكومة المصرية وأجهزتها المختلفة ووسائل الإعلام المؤيدة لها، هو الاعتقاد بأن مرور يوم 11/11 من دون قلاقل، يعني أن كل شىيء تمام، ولا توجد مشكلة في الفترة المقبلة.
من الواضح أنه لم تكن هناك أية حشود أو مظاهرات أو احتجاجات ذات بال يمكن الاعتداد بها.
غالبية المصريين تظاهروا في بيوتهم وأمام شاشات الفضائيات والكمبيوتر والهواتف. الجزء الأكبر من الناشطين والمهتمين والمتابعين منهم مارس رياضة السخرية على الطريقة المصرية، وقرأنا النكات المختلفة والتريقة على اختفاء الناس من الشوارع.
على أرض الواقع فإن ما حدث هو مظاهرات محدودة للغاية في أماكن توجد بها تجمعات إخوانية مثل الفيوم وبني سويف والبحيرة والجيزة، وأعدادها كانت ضئيلة للغاية كما نقلت الكثير من وسائل الإعلام.
ربما كان الهدف الأساسي لهذه المظاهرات المحدودة، هو الحصول على صورة بكادر ضيق تظهر أن هناك تجمعات كبيرة، مع تسويقها على المواقع والفضائيات التابعة للجماعة بصورة توحي أن هناك حراكا شعبيا فعليا، وربما الايحاء لعناصر الجماعة انفسهم بأن الجماعة ما زالت باقية ولم تمت كما يقول خصومها.
المؤكد أن قدرة الجماعة على الحشد الشعبي قد تعرضت لضربة كبيرة ونوعية فعلا منذ بداية 30 يونيه 2013، لكن هل معنى ذلك أن الجماعة انتهت كتنظيم؟!
أشك كثيرا في هذا الأمر، وبالتالي فإن هذا الاستنتاج يحتاج إلى وقت طويل كي يتم الحكم عليه بموضوعية.
صباح أمس الجمعة سألت سيدة قرب ميدان السيدة زينب تملك محلا للفول والطعمية: «هل ستشاركين في المظاهرات؟» أجابت: لا، والسبب هو اعتقادها أن أجهزة الأمن مسيطرة على الأوضاع كما سمعت من جيرانها ومحيطها. طبعا يصعب اعتماد هذا الكلام لتعميم أحكام ورؤى وتصورات.
مرة أخرى فإن الحكم بأن مرور 11/11 بسلام يعني اختفاء مظاهر الغضب الشعبي سيكون حكما خاطئا بالمرة، ويفترض أن أجهزة الأمن لا تقع ضحية لهذا التبسيط، وتكرر ما حدث في 25 و28 يناير 2011.
في تقديرى المتواضع، فإن ما يهدد الحكومة حاليا، ليس جماعة الإخوان والقوى المتطرفة والإرهابية التي تعرضت لضربات أمنية نوعية مركزة. التهديد الحقيقي هو الاحتقان الشعبي المتزايد من جراء الانفلات غير المسبوق في معظم الأسعار، والأزمة الاقتصادية الاجتماعية الصعبة.
المؤكد أن الحكومة وأجهزتها تتلقى تقارير منتظمة عن الغضب الشعبي المتزايد بسبب الآثار الناجمة عن تعويم الجنيه ورفع أسعار الوقود في الأيام الأخيرة، والمؤكد أنها تعرف حجم الاستياء واسع النطاق من لهيب الأسعار.
قد تفلح الإجراءات الأمنية في منع أي مظاهرات واحتجاجات في الأيام أو حتى في الشهور المقبلة، لكن استمرار الاحتقان خصوصا في الأوساط الشعبية والعمالية وبين الموظفين، قد يكون له آثار سلبية رهيبة. تراكم الغضب في النفوس هو الذي يقود إلى الثورات والانفجارات.
العلاج الحقيقي هو أن تكون هناك سياسات اقتصادية اجتماعية متكاملة تقنع الناس بأن هناك أملا فى الغد، وأن الإجراءات المؤلمة والتقشف سوف يتحملها الجميع، والغني قبل الفقير، والحكومة قبل الشعب.. وقبل هذا وذاك أن يكون هناك حد أدنى من التوافق السياسي، وأن تصل رسالة للقوى السياسية المؤمنة بالقانون والدستور أنهم شريك في هذا الوطن وليسوا مجرد كومبارس.
الشروق المصرية