وفقا لرصد أجرته صحيفة "
عربي21"، فإن نحو 80 بالمائة من الدول التي حررت
العملة ما زالت تواجه أزمات حادة ومشاكل
خانقة.
ومن بين ثماني دول قامت بتحرير سعر الصرف واعتماد نظام الصرف المرن، نجحت دولتان فقط في أن تستفيدا من التجربة على الصعيد الاقتصادي بنسبة 20 بالمائة من إجمالي الدول التي قامت بتحرير سعر الصرف، فيما استمرت معاناة ست دول حتى الآن تمثل نحو 80 بالمائة.
التقديرات والأرقام المتاحة تشير إلى أن مصر سوف تنضم للدول التي ما زالت تواجه مشاكل، حيث إن الدول التي استفادت من التجرية تضم الصين والهند، ما يعني صعوبة أن تتحول مصر إلى صين جديدة أو هند جديدة.
القدرة التنافسية
أما نجاح تجربة
تحرير سعر الصرف فهو على القدرة التنافسية للدولة من حيث الإنتاج والتصدير، في حين تعاني الاقتصادات الهشة وعلى رأسها مصر، من صعوبة انتقالها لمرحلة الصرف المرن، خاصة بالنسبة للطبقة الفقيرة.
وتضم الدول التي استفادت من تجربة تحرير سوق الصرف كلاً من الصين والهند، واستفادت هذه الدول من نظام الصرف المرن، بفضل الصادرات المرتفعة وتدني أسعار منتجاتها، ما عزز الإقبال عليها خارجيا ومحليا، وجذبت الاستثمارات الأجنبية، نتيجة انخفاض سعر العملة الهندية والصينية.
تحديات تواجه مصر
في مصر التي قررت الخميس الماضي تحرير سعر الجنيه مقابل الدولار، بدأ أول تعويم لعملتها المحلية في عهد الرئيس الراحل أنور السادات عندما سمح بعودة البطاقات الاستيرادية للقطاع الخاص، وبدء حقبة الاقتراض من الغرب، التي تحولت بعد ذلك إلى ما تسمى "ديون نادي باريس".
ومع عدم قدرة السادات على تحرير الموازنة العامة عام 1977، وعدم استمرار تدفق استثمارات الخليج والضعف الاقتصادي العام في الثمانينيات، فقد حدثت أزمات الدولار مرة أخرى، وتحرك الدولار رسميا من 1.25 جنيه إلى حوالي 2.5 جنيه، ما أدى إلى إفلاس العديد من الشركات، وكان القطاع الخاص المصري يقترض من البنوك بالدولار ويعمل بالجنيه.
وعندما تولى الرئيس محمد حسني مبارك السلطة عام 1981، كان سعر صرف الدولار 80 قرشا، وواصل الدولار الأمريكي ارتفاعه بعد تعويم الجنيه في عام 1989، فأصبح سعر صرف الدولار 3.30 جنيه، وتم تعويم الجنيه مرة أخرى عام 2003، ليصل سعره مقابل الدولار إلى 5.50 جنيه.
تجارب صعبة
أما قائمة الدول التي أنهكتها التجربة، فيأتي على رأسها البرازيل التي قررت عام 1999 اتخاذ هذه الخطوة في ظل ظروف اقتصادية أكثر من صعبة.
وانخفضت قيمة الريال البرازيلي في ذلك الوقت بنسبة كبيرة، ما أدى إلى ارتفاع السلع المستوردة وزيادة التضخم، وبالتبعية فقد انعكس ذلك سلبا على الطبقات الكادحة والمتوسطة، قبل أن يعتدل سعر العملة البرازيلية في 2004، مع الإصلاحات الاقتصادية، التي باشرها الرئيس البرازيلي السابق، لولا دا سيلفا، لتتعزز قدرات البرازيل التنافسية.
التجربة الثانية كانت في الأرجنتين التي حررت سوق الصرف المحلية تنفيذا لوعد الرئيس المنتخب عام 2015، ماوريسيو ماكري.
وكان من المتوقع انخفاض سعر البيزو الأرجنتيني من أقل مستوى رسمي له وهو 9.83 بيزو لكل دولار ليصل إلى ما يقرب من سعره في السوق السوداء الذي يتراوح بين 13.5 و15 بيزو لكل دولار، ولكن نجحت خطة تحرير سعر الصرف.
إجراءات كثيرة بالمغرب
وفي المغرب، لم يكن قرار تحرير سعر صرف العملة، وليد اللحظة، بل إن محافظ بنك المغرب المركزي، عبد اللطيف الجواهري، بدأ بالتلميح إلى هذا التوجه منذ نهاية عام 2015، حينما صرح بأن المغرب ينوي الاتجاه نحو نظام صرف مرن، وأنه يجري الإعداد للعملية بطريقة متأنية.
وبالفعل، فقد استغرق المشروع فترة كبيرة من التحضير، تخللها عدة لقاءات بين الجانب المغربي وخبراء صندوق النقد الدولي، للتباحث حول طريقة الانتقال من نظام سلة العملات إلى نظام صرف مرن.
معاناة كبيرة في السودان
أما السودان، فقد بدأ بتحرير سوق الصرف من خلال اتخاذ مصرفه المركزي لعدة قرارات، بدأت بالتوقف عن توفير الدولار المدعوم لاستيراد الأدوية، كما أنه أعاد العمل بسياسة الحافز لاجتذاب النقد الأجنبي من السودانيين المغتربين.
وقرر التوقف عن توفير الدولار لشركات استيراد الأدوية بسعر 7.5 جنيه، ما يعني أن هذه الشركات ستلجأ إلى السوق الموازية للحصول على الدولار الذي يبلغ حاليا 15.9 جنيه.
ماليزيا وأزمة آسيا
التجربة الخامسة كانت في ماليزيا، حيث أعلنت محافظة البنك المركزي الماليزي في تموز/ يوليو 2015، أن حكومة بلادها قررت التخلي عن سياسة ربط عملتها الرينغيت بالدولار الأمريكي واستعاضت عنها بسياسة تحرير محكوم للعملة.
وقالت إنها لا تتوقع أن يختلف سعر صرف الرينغيت بدرجة كبيرة عن مستواه الراهن.
وسعر الرينغيت كان مثبتا عند مستوى 3.8 للدولار منذ أيلول/ سبتمبر العام 1998، عندما تقرر ذلك لمساعدة ماليزيا على التعامل مع
الأزمة المالية الآسيوية.
تحول بطيء في نيجيريا
وفي نيجيريا التي اتجهت إلى نظام الصرف المرن، فقد قررت في حزيران/ يونيو الماضي بدء تخفيض عملتها المحلية عندما خفف صناع السياسة الضغوط السوقية وأنهوا ارتباط عملة نيجيريا "النايرا" بالدولار خلال 16 شهرا، ما جعل سعر العملة في السوق السوداء يقل بحوالي 50% عن السعر الرسمي حتى تم رفع القيود وهبطت العملة بحوالي 30% في ذلك الوقت، ولم تنخفض منذ ذلك الحين إلا بحوالي 10% فقط حتى الآن.
وإذا كانت نيجيريا قد حققت بعض النجاح من فك ارتباط عملتها بالدولار، فإن المستثمرين الأجانب استجابوا ببطء، وما زالت العملة النيجيرية تباع في السوق السوداء بسعر يقل بحوالي 20% عن السعر الرسمي.