محزن ومقلق المشهد الفلسطيني، الذي يزداد تعقيدا، وتهب عليه الرياح من الجهات الأربع.
هي رياح عاتية خماسينية محمّلة بالتراب، وتحجب الرؤية، ولا سبيل لهدوئها، قبل أن تخلف المزيد من الخراب فوق ما يعاني منه الناس والقضية من الخراب.
قد لا يعجب الكثيرين الحديث عن أزمة تعاني منها حركة الشعب الفلسطيني حركة فتح، أزمة تضعف قدرتها على مواصلة دورها التاريخي في قيادة الحركة الوطنية والنظام السياسي الفلسطيني، وتضعف دور ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني.
أزمة تزداد تداعياتها ومظاهرها السلبية كلما اقتربت أكثر من موعد انعقاد المؤتمر الوطني السابع، وقد ينجم عنها تأجيل انعقاده، أو أن يتعرض لانتقادات كثيرة في حال انعقاده في ظل الظروف السياسية والوطنية والفتحاوية التي تحيط بزمان انعقاده.
نشفق على أنفسنا، وعلى شعبنا وقضيتنا الوطنية، إذا انعقد المؤتمر السابع، ولم يكن على مستوى التحديات الصعبة والخطيرة التي تحيط بالقضية والنظام السياسي.
الخلاف والاختلاف الفتحاوي لم يعد حصريا بالعلاقة بين النائب وعضو اللجنة المركزية المفصول من الحركة محمد دحلان، وبين الرئيس محمود عباس، واللجنة المركزية وأطر الحركة التنظيمية، وإنما امتد إلى قطاعات كادرية وقاعدية، ويفتح على تضاربات ومضاربات عربية.
لم يعد سرا أن العلاقة بين القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس وبين أطراف الرباعية العربية يعتريها قدر متزايد من التوتر والسلبية؛ بسبب موقف الرئيس واللجنة المركزية من مبادرة الرباعية التي رسمت خارطة طريق، تعطلت عند البند الأول منها، والذي يتعلق بالمصالحة الفتحاوية.
والموقف الرافض للمبادرة العربية يتخذ طابعا عمليا ينطوي على توسيع هوة الخلاف مع أطراف الرباعية العربية، من خلال التوجه نحو تركيا وقطر.
لست من الداعين أصلا لمقاطعة تركيا وقطر، مهما قيل في علاقة البلدين مع حماس، والإخوان المسلمين، يل ينبغي على قيادة الشعب الفلسطيني أن تعزز علاقاتها مع هاتين الدولتين، والاستفادة من الدعم الذي تقدمانه لفلسطين، لكن التوجه للبلدين في الوقت الذي تسوء وتتوتر فيه العلاقة مع أطراف الرباعية العربية، خصوصا مصر، فإن الأمر لا يخلو من قصدية توجيه رسائل تتواصل مع سلبية الموقف من خطة الرباعية العربية.
وعلى الرغم من أن مصر لم تبدل سياستها وخطابها تجاه فلسطين وقضيتها وبالشرعية، لاعتبارات تتعلق بدورها التاريخي، وبالجغرافيا، وبالتواصل الاجتماعي العميق، فان القراءة الآنية للأمن القومي المصري تتجه نحو تصعيد دورها وتأثيرها في الأوضاع الفلسطينية.
سيبدو أن هذا التصعيد ينطوي في جزء منه على رد عقابي أو رسائل على الموقف من مبادرة الرباعية العربية، والتصريحات التي صدرت حول الموضوعات.
محزن أن تدور الحسابات، والمواقف والعلاقات حول الصراع على السلطة، ومرحلة ما بعد الرئيس أبو مازن، لكن أحدا لا يستطيع فصل هذا الصراع في حدوده الضيقة، ما يعني أن الارتدادات تتسع وتتعمق يوما بعد آخر، وتتخذ أبعادا خطيرة على تركيبة النظام السياسي، والأطراف الفاعلة فيه.
قد يعتقد البعض أن ما يجري ليس سوى زوبعة في فنجان، أو عاصفة طارئة تهدأ بمجرد أن ينتهي المؤتمر السابع لحركة فتح، بالترتيبات التنظيمية التي يقررها المؤتمر، لكن هؤلاء سيكتشفون في وقت متأخر أن التداعيات السلبية ستستمر في التفاعل سلبيا إلى ما بعد المؤتمر، وإلى ما بعد مرحلة تنفيذ قرارات وترتيبات المؤتمر.
تفترض السياسة، التفكير بدم بارد، في كل خطوة، إن لم يكن لتحقيق الإنجازات فعلى الأقل لتقليل المخاطر، شرط أن تتجاوز عملية التفكير المحدود والرؤى والمصالح الذاتية، سواء لفرد أو قيادة أو فصيل.
ما سيخرج به المؤتمر السابع من سياسات وترتيبات، في ظل الانقسام الخطير الذي وقع وهو مستمر منذ أكثر من تسع سنوات، قد يشكل انعطافة تاريخية بالعلاقة مع ميزان القوى الداخلي الفلسطيني، طالما بقيت حركة فتح تتراجع، فيما تتماسك حركة حماس.
لا ينبغي أن تتجاهل قيادة حركة فتح أن ثمة من يعمل دون انتظار باستغلال وتصعيد التناقضات الداخلية، لأهداف فئوية، ترغب في أن تحتفل بتفكك وحتى غياب حركة فتح، وهي ما تبقى من النظام الرسمي العربي الفاعل والمتفاعل مع القضية الفلسطينية. والمسألة هنا أبعد ما تكون عن مقاومات التمسك باستقلالية القرار.
الساسة الإسرائيليون يراقبون الوضع عن كثب، لكنهم يمتنعون عن التدخل أو التعليق، طالما أن الاضطراب الفلسطيني بعلاقاته الداخلية وعلاقاته العربية يخدم السياسة الاحتلالية ومصالح الدولة الإسرائيلية.
أدرك أنني وأن من مثلي من الفتحاويين غير المنضمين لأطر الحركة نصرخ في واد سحيق، ربما ثمة من سيغضب، فالحالة كلها تتسم بالعصبية والتوتر، لكنما لا نستطيع على الأقل الإدلاء بشهادة لن تنفع كثيرا حين تقع الفأس في الرأس.
يتحدث ليبرمان عن إمكانية السماح بإنشاء مطار وميناء في قطاع غزة، وشروط غير قابلة للتحقيق إلا من خلال اتفاق هدنة طويلة كمشروع يطل برأسه من جديد، ما يعني أن قطاع غزة يتجه نحو انفراج يبدأ بتغيير الوضع على معبر رفح، وقد يشهد انفراجات أخرى، طبيعتها وأهدافها تنطوي على مخاطر مستقبلية وذات أبعاد استراتيجية تتعلق بالدولة.
دولة غزة التي يدفع نحو قيامها الاحتلال الإسرائيلي مرفوضة مصريا، وتشكل خطرا على الأمن القومي المصري، وهي أيضا مرفوضة فلسطينيا، لكن الخوف من هذا الخطر لا يمكن أن يحكم كل الوقت طبيعة العلاقات بين فلسطين ومن ضمنها غزة، مع مصر وغير مصر من الدول العربية.
لا بد إذا من مراجعة الحسابات، وعدم حصرها في الشأن الفتحاوي الداخلي؛ لأن التداعيات سلبا أو إيجابا تنطوي على أبعاد وطنية وتاريخية.