مقالات مختارة

الرهان الخاسر!

مهند عبد الحميد
1300x600
1300x600
سابقة غريبة وغير معتادة في العلاقات المصرية الفلسطينية، عنوانها التدخل المصري في الشأن الفلسطيني، والانحياز لمجموعة خارج الشرعية الفلسطينية. 

قد يقال إن المبادرة المصرية لعقد المؤتمر أتت من قبل مؤسسة (المؤتمر القومي لدراسات الشرق الأوسط)، وإن الدعوة موجهة إلى شخصيات أكاديمية وإعلامية وسياسية «مستقلة»، وبهذا المعنى فإن المؤتمر لا يعبر عن موقف مصر الرسمية. غير أن الإعداد للمؤتمر من قبل المجموعة الفلسطينية المفصولة من حركة «فتح»، وتمويل الفعالية، بما في ذلك السفر والإقامة من قبل دولة أخرى، كل ذلك يكشف عن حقيقة أن عقد المؤتمر غير ممكن دون تدخل رسمي مصري، سيما وأن المحاولة الأولى لعقد مؤتمر في القاهرة من قبل المجموعة المفصولة التي يتزعمها محمد دحلان قد أخفقت. وللأسف جاء الموقف الرسمي المصري لينقذ المحاولة ويشكل لها الغطاء. 

الموقف المصري الرسمي من المؤتمر جاء بمثابة «خروج عن الثوابت المصرية التي لم يُسجل في تاريخها تدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية أو انحياز ضد الشرعية الفلسطينية»، كما قال عضو مجلس النواب المصري سمير غطاس. 

كانت مصر وبصرف النظر عن نظام الحكم هي الطرف الذي يؤتمن جانبه في كل ما يتعلق بتهديد التمثيل والشرعية الفلسطينية. وقد يعود السبب إلى عدم التنافس مع المنظمة على التمثيل الفلسطيني المستقل، ولهذا السبب كان شكل التدخل المصري في الشأن الفلسطيني لا يمس الحيز الذي تتواجد فيه القيادة الفلسطينية. وقد يعود إلى قوة مصر كدولة إقليمية كبيرة لا يقلقها حضور وصعود فلسطين كما هو حال دول صغيرة نسبيا مثل لبنان والأردن التي قد ترى في الصعود الفلسطيني انتقاصا من حضورها، كما لا تعتمد مصر في قوتها على امتلاك فلسطين كورقة في جيبها كما هو حال النظامين السوري والعراقي اللذين حاولا فرض وصاية على المنظمة بأشكال مختلفة من التدخل والضغوط بما في ذلك التدخل العسكري أو تنظيم الانشقاقات في صفوف المنظمة. 

الآن، ما الذي دفع مصر الرسمية إلى الخروج عن طورها والتدخل في الشأن الفلسطيني والمقامرة برهان خاسر يسيء إلى مصر؟ هل ضعفت مصر إلى المستوى الذي أصبحت فيه بحاجة لاستخدام الحالة الفلسطينية وقد بلغت من الضعف عتيا؟ 

في كل الأحوال، إن مصر الرسمية تحاول في الوقت الخطأ، ذلك أن تدخلها الآن من شأنه إضعاف فلسطين إلى مستوى خطر. وفي هذه الحالة لن تكسب مصر شيئا بل ستخسر العامل الفلسطيني وستصبح أكثر ضعفا. 

لا يهم نجاح المؤتمر أو فشله، لأنه فشل قبل أن ينعقد، وبالعكس فقد ترك هذا النوع من التدخل وسيترك تأثيرا سلبيا على الوضع الفلسطيني والعلاقة المصرية الفلسطينية. ولا قيمة سياسية أو أدبية لمشاركين فلسطينيين يقبلون «إصلاح» الوضع الفلسطيني بهذه الطريقة المزرية، وعبر هذه المجموعة الفلسطينية المفصولة والمحملة بكل أسباب الأزمة الفلسطينية، مجموعة هي جزء أساس من صناعة الأزمة ولا يمكن أن تكون جزءا من صناعة الحل. 

أما شعار المؤتمر (مصر والقضية الفلسطينية) فقد اعتدنا على دور آخر لمصر في كل المراحل، وهذا العنوان يحتمل قراءة جديدة. وهدف المؤتمر المعلن هو (مواجهة التحديات والمخاطر التي تواجه القضية الفلسطينية). يقابله غصة في قلب كل فلسطيني يكتوي بنار تلك المخاطر، كخطر الاستيطان الزاحف على طول وعرض الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتطهير العرقي في القدس الذي يترافق مع تهويد المدينة المقدسة، والاستباحة الإسرائيلية للحقوق الوطنية والمدنية الفلسطينية. 

كان كل فلسطيني يمني النفس بدعم عربي بسيط هو الضغط السياسي والاقتصادي العربي الرسمي الجدي على دولة الاحتلال بهدف وقف غطرستها المنفلتة من كل قيد ووقف استفرادها بالشعب الفلسطيني.

قد تقول الدوائر الراعية والمنظمة للمؤتمر العتيد: إن الهدف الأهم من وراء عقد المؤتمر هو إعادة بناء البيت الفلسطيني وتقويته من أجل خوض المعركة مع الاحتلال الإسرائيلي، ووضع حد لغطرسة القوة، تماما كما ورد في مذكرة الرباعية العربية الموجهة للقيادة الفلسطينية. 

أولا: من غير المقنع إرجاء الاحتجاج والضغط على حكومة الاحتلال بانتظار إعادة ترميم وبناء الوضع الفلسطيني، فخير البر عاجله، ويمكن لدولة أو منظمة حقوقية غير عربية أن تعترض وتحتج، وهناك مبادرات عالمية تقاطع إسرائيل بسبب انتهاكاتها، بل هناك منظمات حقوقية إسرائيلية تعترض وتقدم شهادات لإقناع المجتمع الدولي بالضغط على حكومة الاحتلال لوقف الاستيطان وتهويد مدينة القدس العربية. سواء حدث الإصلاح أم لم يحدث، وسواء انهار الوضع الداخلي الفلسطيني أو تماسك، فهذا لا يعفي النظام العربي مجتمعا أو كل دولة منفردة من اتخاذ الموقف النظري والعملي ضد الاستيطان وتهويد مدينة القدس. 

ثانيا: ثمة حاجة ملحة لإصلاح الوضع الفلسطيني وتجديد مؤسسات المنظمة والسلطة ومكافحة الفساد بكل أشكاله، وصولا إلى تحقيق الوحدة الوطنية، من أجل إفشال مخططات الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية وإذابتها في الوضع العربي والإقليمي وفرض الحل الإسرائيلي الكامل على أنقاضها. 

ثمة افتراض بأن إصلاح الوضع الفلسطيني يكون عبر ديناميات داخلية، بإرادة تغيير فلسطينية وتتويجا لها، وتعبيرا عن مصلحة أكثرية فلسطينية تتوق للتغيير. الإصلاح والتغيير يتم بشكل ديمقراطي عبر مشاركة القطاعات المتضررة والنخب الثقافية والإعلامية والأكاديمية والسياسية المنحازة للمصلحة العامة، وليس بدافع مصالحها الأنانية الضيقة.

دائما وأبدا استند التدخل في الشأن الفلسطيني إلى حسابات خاطئة وكان يخفق في كل مرة، وكان الضمان في كل مرة هو الشعب الفلسطيني الذي كان يرفض التدخلات. لكن الشعب كان يدافع عن المقاتلين من أجله، فهل تغيرت المعادلة الآن؟ 

لا أعتقد أنه فات الأوان، إذا ما قال مؤتمر «فتح» كلمته المستمدة من التراث النضالي الطويل، وإذا ما وضعت حسابات المتخمين بشهوة الصعود إلى الزعامة بأي ثمن، حتى لو كانت حالة الضعف والهوان الراهنة التي تنذر بأوخم العواقب جانبا، وإذا صعد إلى المشهد مرة أخرى المقاتلون من أجل حرية شعبهم.

الأيام الفلسطينية
0
التعليقات (0)

خبر عاجل