فى حديثه الأخير الى رؤساء تحرير الصحف الحكومية قال الجنرال المصرى موجها حديثه لرجال الأعمال "حريتكم كاملة، ومصر أولى بكم، ولا إجراءات استثنائية ضد أحد منكم".
وعندما يقول لهم حريتكم كاملة، فهو أمر لا يصدقونه فى ضوء ما عايشوه من إجبار أصحاب مضارب، على بيع 50 طنا من الأرز لكلا منهم بسعر قليل، ومن يرفض فإن إجراءات بوليسية معروفة بإنتظاره، وما حدث لإجبار بعضهم على بيع منتجات لديهم بسعر أقل للمشاركة بحملة لخفض الأسعار.
حيث تم إتهام أحد أصحاب السلاسل التجارية ببيع لحوم فاسدة، ومن قبله اتهام آخر ببيع أحذية مكتوب عليها كلمة لفظ الجلالة، وغير ذلك مما لحق بمؤيدين للنظام، بخلاف ما لحق بالمعارضين من استيلاء على الشركات والتحفظ على الأموال، مما اضطر البعض للتبرع لصندوق تحيا مصر، وقيام آخرين بتأكيد الولاء للجنرال بوسائل الإعلام بين الحين والآخر.
وعندما يقول الجنرال لرجال الأعمال بلدكم أولى بكم، فهذه مقولة، سبق أن استخدمها قبل ثلاثة أسابيع مع الشباب الذين يتجهون للهجرة غير الشرعية، بعد غرق مركب مات به نحو 92 شاب مصرى، وبما يعنى إشارة الجنرال لخروج استثمارات لرجال أعمال مصريين للخارج وكذلك قيامهم باستثمارات بالخارج.
مثلما فعل ساويرس مؤخرا بعد مضايقات من هيئة الرقابة المالية، وتشير بيانات البنك المركزى المصرى لزيادة استثمارات المصريين بالأوراق الأجنبية خارج مصر من 47 مليون دولار بالعام الأول للجنرال بالحكم، إلى 192 مليون دولار بالعام الثاني له بنمو 307 %.
الوعد بخفض مشروعات الجيش
مما دعا الجنرال للقول لهم بلدكم أولى بكم، وإذا كان الجنرال قد رفق دعوته للشباب بأن هناك مشروعات للإستزراع السمكى سيتم افتتاحها قريبا، وحديثه عن الإتجاه لتوفير أماكن مجهزة لمشروعات صغيرة، فقد اقترنت دعوته لرجال الأعمال بقرب حدوث تعديلات لقانون الإستثمار، رغم سبق تعديله فى مارس ومايو من العام الماضى، ثم تكرار الوعود بالتعديل منذ مايو 2015 وحتى الآن.
لكن الأمر الأهم هو حديثه للمرة الأولى عن الإتجاه لتراجع دور القوات المسلحة فى التنمية خلال السنوات القادمة، وذلك فى ضوء الشكوى المكتومة لرجال الأعمال من توسع النشاط الإقتصادى للجيش، والذى يخل بقواعد المنافسة بداية من إسناد المشروعات له بالأمر المباشر، وكذلك عدم تحمله لأعباء أجور العمالة، وعدم تحمله لأعباء جمركية وضريبية.
ولا نعتقد أن حديث الجنرال عن الإتجاه لخفض دور الجيش بالمشروعات مستقبلا سيكون له رد فعل إيجابي عاجل، فى ضوء تجربتهم السلبية مع وعود الجنرال لهم بالسنوات الأخيرة.
حيث لم تعد المنافسة على اقتناص المشروعات بين الجيش والقطاع الخاص، ولكنها أصبحت بين قطاعات الجيش نفسها للحصول على المشروعات، فى ضوء تعددها ما بين جهاز مشروعات الخدمة الوطنية والهيئة الهندسية والإنتاج الحربى والقوات البحرية وغيرها.
العقاب للمؤيدين أيضا
أما عن التجارب السلبية السابقة فقد سبق للجنرال أن جلس مع رجال الأعمال فى يوليو 2014، فى منتدى اقتصادى نظمته مؤسسة أخبار اليوم، وقال لهم خلاله "أنتم فى أمان ولن يبتزكم أحد، وسأزيل عوائق الاستثمار"، وكان يجلس على شمال الجنرال فريد خميس باعتباره رئيسا لاتحاد المستثمرين، يليه صلاح دياب وكيل العديد من الشركات الأمريكية.
ثم كان ما حدث بعدها لفريد خميس من تحويل شركته للنيابة من قبل جهاز منع الإحتكار ، والقبض على صلاح دياب بتهم منها الإحتفاظ بسلاح غير مرخص هو وإبنه، كما لحق الضرر آخرين حضروا ذلك المنتدى مثل ساويرس وصفوان ثابت.
والأهم أن توصيات منتدى أخبار اليوم الاقتصادى أنها لم تر النور حتى الآن، رغم تكرار انعقاد المنتدى فى أكتوبر من العام الماضى وبمشاركة رئيس الوزراء ووزراء المجموعة الإقتصادية.
وهكذا سمع رجال الأعمال وعودا كثيرة من الجنرال تخص تحسين مناخ الاستثمار، وتوفير الأراضى الصناعية والقروض المصرفية وتوفير الدولار، لكن الواقع يشير لاستفحال مشكلة نقص الدولار والتشديد على المستوردين، وزيادة أسعار الطاقة، وفرض ضريبة جديدة، وزيادة سعر فائدة الإقراض المصرفي.
وزيادة ضراوة مزاحمة الحكومة لهم عند الإقتراض من البنوك، مما دفعهم لتأجيل أية قرارات بالتوسع فى مشروعاتهم ، أو البدء بمشروعات جديدة ، والإحتفاظ بمعظم أموالهم وبحصيلة صادراتهم بالخارج ، والعمل الجزئى بالداخل بأموال البنوك ، بسبب ضعف الثقة لديهم فى المستقبل ، وتوقع أية إجراءات معاكسة مفاجئة ، فى ظل غياب أى دور للبرلمان وللأحزاب واعلام الصوت الواحد ، وازدياد مخاطر عدم الرضا الرسمى عن أى شخص حتى ولو كان بدرجة رئيس جهاز محاسبات ! .