كتب المعلق في صحيفة "الغارديان" جوناثان فريدلاند مقالا ناقدا لتحالف "
أوقفوا الحرب"، الذي فشل في شجب القصف الوحشي على مدينة
حلب، وممارسات النظام السوري لبشار
الأسد، وكتب تحت عنوان: "لو أرادوا بالفعل (وقف الحرب) في
سوريا لكان عليهم استهداف
روسيا".
وبدأ الكاتب مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، قائلا: "أشفق على أطفال سوريا سيئي الحظ، فلو كانت القنابل التي تمطر عليهم، وتقتل آباءهم، وتشوه أصدقاءهم، وتدمر مستشفياتهم- لو كانت القنابل بريطانية، وأفضلش أكثر لو كانت أمريكية، فعندها لاحتشدت شوارع لندن بالمحتجين المطالبين بإنهاء المعاناة، ولترددت في أرجاء ساحة الطرف الأغر الخطب الرنانة، من طارق علي (كاتب يساري)، وكين لوتش (مخرج يساري)، وموسنيور بروس كينت (ناشط)، ولتحولت منطقة وايت هول (مقرات الحكومة) إلى بحر من اليافطات التي تؤكد أن جرئم حرب ارتكبت، وأن هذه الجرائم (ليست باسمنا)، ولامتلأت ساحة غروفنر بالمحتجين المزعجين أمام السفارة الأمريكية، مطالبين بتقديم باراك أوباما إلى محاكم لاهاي، ولارتدى المحتجون أقنعة لتريزا ماي، ولطلوا أيديهم باللون الأحمر، ولفعلوا هذا كله لأنهم لم يعودوا يحتملون رؤية طفل آخر يقتل في حلب".
ويضيف فريدلاند: "لكن هذا ليس حظ أطفال تلك المدينة التي داهمها الظلام، فمصيرهم أنهم يتعرضون للإرهاب عبر القنابل الخطأ، تلك التي يرميها عليهم بشار الأسد وفلاديمير بوتين، ولهذا السبب فهم ليسوا مؤهلين لعطف الناشطين التابعين للحركة التي تطلق على نفسها (أوقفوا الحرب)، وبالتأكيد فقد قال رئيسها كريس ناينهام لبرنامج (توداي) على (بي بي سي) إن حركته لن تنظم أو تشارك في تظاهرات أمام السفارة الروسية؛ لأن هذا سيؤدي إلى (إشعال هستيريا الشوفينية) التي تتم إثارتها في الوقت الحالي ضد موسكو، وفي لحظة صراحة قال ناينهام إن حركته ستكرس طاقتها لهدفها الرئيسي، وهو: معارضة الغرب".
ويعلق الكاتب قائلا: "لو كانت الهستيريا هي الرد العاطفي الخاطئ على المعاناة التي يتحملها أهل حلب، فإنني أسال ما هي الهستيريا الصحيحة؟ كيف ستكون حالة العقل وهو ينظر إلى صور الموت، لامرأة ورجل بلا اسم، وأبنائهما وقد غطاهم الرماد؟".
ويتساءل فريدلاند: "كيف سننظر إلى صور طائرات دون طيار وهي تستعرض ما يظهر أنها مدينة محطمة شبحية؟ كيف سنرد ونحن نستمع إلى طفل عمره 12 عاما ينبش من الساعة السابعة صباحا بين تلال النفايات؛ أملا في العثور على شيء يأكله؟ ويقول حتى مع القنابل التي تنفجر حوله: نشكر الله على ما أعطانا".
ويستدرك الكاتب بأنه "رغم ما تقوله حركة (أوقفوا الحرب)، فإن (معارضة الغرب) لن تؤدي إلى وضع حد لنهاية الرعب؛ لأن روسيا هي الغارقة حتى رقبتها في دماء حلب، وروسيا هي التي انضمت للأسد في عمليات قصف المستشفيات، وروسيا هي المتهمة- ومتهمة بصدق- بقصف قافلة إغاثة إنسانية، كما أن روسيا وحليفها السوري مغرمان بـ(الحنفية المزدوجة)، وهو تكتيك يقوم على رمي قذيفة يسمح فيها بوصول فرق الإسعاف لإجلاء الجرحى، وعندها يتم رمي قذيفة أخرى تقتل المسعفين".
ويمضي فريدلاند قائلا: "علينا ألا نتصرف بهستيريا، وربما كان علينا بدلا من ذلك أن نكون منصفين، كما أشار المتحدث باسم حزب العمال هذا الأسبوع، عندما عبر عن قلقه من أن التركيز على روسيا (سيحرف الانتباه) عن الجرائم التي ترتكبها القوى الأخرى، مثل الولايات المتحدة، ومن المنطق في هذه الحالة الاحتجاج أمام السفارة الأمريكية، كما هو الحال أمام السفارة الروسية".
ويشير الكاتب إلى أن "صحيفة (الغارديان) قامت بعملية (تحقق من الأرقام)، وأن واشنطن وحلفاءها ربما كانوا متورطين في المذبحة، كما هي موسكو، وتوصلت إلى نتيجة لا لبس فيها: الأرقام غير متشابهة، وقال كريس وودز من (إيرويز) وهو موقع للمراقبة وبشكل موجز: (يتفوق القتل الروسي على قتل التحالف بنسبة 8-1)، وكشف وودز عن نقطة مهمة يتم تجاهلها، وهي أن الولايات المتحدة وحلفاءها ربما قتلوا الكثير من المدنيين -وقتل واحد يعد قتلا كبيرا- إلا أنهم يحاولون على الأقل تحديد عدد الضحايا، وفي المقابل، تقوم روسيا باستهداف المدنيين وقتلهم، واستهداف البنى التحتية المدنية عن قصد وسبق إصرار وترصد".
ويقول فريدلاند: "هذا يقودنا إلى تصريحات وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، الذي دعا إلى التظاهر، لا شيء يعني، وبشكل عرضي، أن بوريس جونسون كان محقا في دعوته إلى التظاهر أمام البعثة الروسية في لندن، فليس من حقه إصدار هذه الدعوات، فوزير حكومة يقوم بهندسة ما يمكن النظر إليه على أنه مسيرة عفوية أمام سفارة أجنبية مكروهة، هي حركة يمكن تتوقعها من دول ديكتاتورية، مثل إيران، أو روسيا، ويجب ألا تكون من عمل حكومة ديمقراطية، وأكتبها مرة أخرى على اللوح بأنها إثبات آخر على أن جونسون لم يحقق النقلة بعد، من معلق صحافي إلى وزير حكومة -ويقدم دليلا على ذلك مع صديقه السابق الداعي للخروج من أوروبا مايكل غوف- وهذه ليست فكرة جيدة".
ويستدرك الكاتب بأن "خطأ جونسون لا يقف عند هذا الحد، فما هو أخطر هو دعوة جونسون لـ(تحركات فعلية) في سوريا، وكشف عن التعبير اللطيف حول العمل العسكري، فأي شخص شاهد الموتى في حلب، وشعر بالتعاطف مع شخص أو مكان، وأنه يجب عمل شيء ما فإنه يتفهم هذه الرغبة، إلا أنه وفي الوقت الذي تمترست فيه روسيا (في سوريا)، فإن دعوة كهذه متهورة، ولو قررت الولايات المتحدة فرض منطقة حظر جوي فقد تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع روسيا، ومواجهة بين قوتين من الحرب الباردة، وقد تزيد من الحرب الأهلية الدموية وتصعيدها لشيء اكبر وأكثر فتكا".
ويتساءل فريدلاند: "ماذا بعد؟ تقول حركة (أوقفوا الحرب) إن الأمر يعود (للشعب السوري وحده)، كما أن الولايات المتحدة والغرب يتبنيان عدم التدخل، ويقوم الأسد بطريقة كريمة بالإعلان عن التشاور الوطني، وعقد انتخابات حرة ونزيهة، وربما بعلاقات عامة وقائمة مكونة من النساء المرشحات فقط، ويوافق على الالتزام بالنتائج. أن تخبر الشعب السوري بهذا الكلام، مثل من يحدق في عائلة عالقة ببناية تحترق، ويقول إن الأمر يعود لها لتطفئ الحريق، وتثني على نفسك بأنك لم تتورط، بالطبع فهم بحاجة للمساعدة".
ويلفت الكاتب إلى أنه "في الوقت ذاته، ليس جيدا بما فيه الكفاية الدعوة ببساطة لـ(أقوى دفعة ممكنة للمفاوضات والحل الدبلوماسي)، كما تطالب حركة (أوقفوا الحرب)، ماذا يفعل إذا جون كيري ورفاقه من وزراء الخارجية، الذين يعقدون اجتماعات على مدار الساعة لأشهر، إن لم تكن سنوات؟ ولا يزال كيري يتحادث مع نظيره الروسي، حتى في نهاية الأسبوع، لكن من الصعب التقدم في الوقت الذي تواصل فيه روسيا خنقها لحلب".
ويقول فريدلاند: "لا، ما نحتاج إليه هو نوع من الضغط على روسيا لتتوقف، وليس مواجهة عسكرية، لكن أنواع الضغط الأخرى كلها، وفي هذا المجال يظهر نفع حركة أوقفوا الحرب، فهي تؤكد أنها لا تؤثر إلا في الدول الغربية، وأن التظاهر أمام السفارة الروسية لن يؤدي إلى (أي فرق)، لكن كيف عرفت؟ نعرف أن بوتين مهتم بموقفه الدولي، ولهذا السبب ينفق الملايين على قناته الدعائية (روسيا اليوم)، ولا يريد صورا تبث في أنحاء العالم كله عن حشود تتظاهر أمام السفارة الروسية".
ويختم الكاتب بالقول "بالتأكيد، من المهم المحاولة، ومن ينظرون لأنفسهم على أنهم حركة سلمية، عليهم أن يثبتوا هذا الأمر، فقد بدأ ذبح الأبرياء في حلب منذ مدة طويلة، وآن الأوان لأن يقوموا بواجبهم لوقف هذه الحرب".