مرت يوم الأحد الماضي الذكرى الخامسة لمذبحة ماسبيرو، التي سقط فيها 25 قتيلا من الأقباط، وسط صمت قبطي مريب وفعاليات هزيلة أقيمت على استحياء على عكس ما كان يحدث في السنوات السابقة.
وكان آلاف الأقباط قد اعتصموا بمحيط مبنى التليفزيون الرسمي المعروف باسم "ماسبيرو"، لعدة أيام احتجاجا على هدم إحدى الكنائس بمحافظة أسوان، قبل أن يفض الجيش اعتصامهم يوم التاسع من أكتوبر 2011 بالقوة، ما أسفر عن مقتل 25 قبطيا برصاص جنود الشرطة العسكرية التي كانت تؤمن مبنى التليفزيون وإصابة عشرات آخرين.
واقتصر إحياء ذكرى المذبحة على صلوات دينية داخل مصر وخارجها، ووقفات محدودة وهادئة بالشموع في بعض العواصم الغربية، فيما غابت الاحتجاجات الغاضبة والمؤتمرات الصاخبة التي اعتاد الأقباط تنظيمها طوال السنوات الأربع الماضية، واختفت تماما الأصوات الغاضبة التي كانت تنتقد الجيش وتحمله مسؤولية مقتل الضحايا.
واكتفى الأقباط بإقامة قداس يوم الجمعة الماضي، في إحدى الكنائس النائية، غاب عنه أي مسؤول كبير في الكنيسة الأرثوذكسية، من أولئك الذين كانوا حريصين على المشاركة في الأعوام السابقة.
وأعلنت الكنيسة اقتصار إحياء ذكرى المذبحة على هذه الصلاة، وكأن الضحايا قد لقوا مصرعهم في كارثة طبيعية أو حادث سقوط طائرة، مشددة على تبرؤها من أي فعاليات أخرى.
صفقة غير معلنة
وشهدت الشهور الأخيرة صفقة بين عبد الفتاح السيسي والكنيسة الأرثوذكسية، بحسب مراقبين، بحيث تدعم الكنيسة قائد الانقلاب داخليا وخارجيا بعد انهيار شعبيته، في مقابل حصولها على مكاسب سياسية ودينية للأقباط.
وبرزت ملامح هذه الصفقة في إقرار البرلمان لقانون بناء الكنائس، الذي أعطى الأقباط حرية غير مسبوقة في بناء الكنائس، بالإضافة إلى منحهم حصة كبيرة في مقاعد مجلس النواب بلغت 39 مقعدا لأول مرة منذ تأسيس البرلمان المصري قبل 150 عاما.
وفي المقابل أظهر الأقباط دعما اجتماعيا وسياسيا واضحا للسيسي، حتى إن الأقباط أصبحوا أكبر كتلة صلبة مؤيدة للسيسي، كما يرى كثير من المراقبين.
وخلال زيارته للولايات المتحدة الشهر الماضي، لم يكن هناك من يتظاهر تأييدا للسيسي سوى عشرات الأقباط الذين تجمعوا استجابة لعملية حشد علني ورسمي من البابا تواضروس الثاني بابا الأقباط.
الداخلية تمنع والأقباط يستجيبون
وتناست الحركات القبطية الشبابية ذكرى المذبحة، لأول مرة منذ خمس سنوات، واقتصر الأمر على بيانات خجولة من كيانات وشخصيات قبطية غير مؤثرة.
وكانت حركة "شباب ماسبيرو" قد تقدمت بطلب للأمن للحصول على تصريح لإحياء الذكرى بوقفة صامتة بالورود والشموع في موقع المذبحة، إلا أن الداخلية رفضت طلبهم، بحجة وجود "دواع أمنية".
لكن الغريب هذه المرة أن الأقباط لم يملأوا الدنيا ضجيجا اعتراضا على تعنت الداخلية معهم، كما فعلوا في مناسبات كثيرة سابقة، بل أعلنوا امتثالهم للقرار احتراما للقانون!
وقال "إسحاق فرانسيس"، رئيس حركة "تمرد" القبطية، إن الأقباط تراجعوا عن تنظيم تظاهرات في ذكرى المذبحة حتى لا يتم استغلالها في أعمال إرهابية تهدد استقرار الدولة المصرية، مضيفا، في تصريحات صحفية، أن معظم الأقباط الآن على قناعة بأن الجيش والشرطة لم يتورطا في قتل المتظاهرين الأقباط في تلك المذبحة.
أما "أبانوب جرجس"، منسق ائتلاف "أقباط مصر"، فقال إنه يرفض إحياء الذكرى بالتظاهر والاحتجاج في الشارع، لأنه لا يخدم سوى أعداء الأقباط، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين، مضيفا أن من أراد إحياء ذكرى المذبحة فعليه بالصلاة للضحايا في الكنيسة.
وأعلن "اتحاد شباب ماسبيرو" أن قداس الجمعة الماضي كان كافيا جدا لإحياء ذكرى الضحايا، وطالب جميع الأقباط بعدم المشاركة في أي تجمعات، حتى لا يستغلها البعض في أعمال تخريبية.
فعاليات هزيلة في الغرب
وتماشيا مع الصمت القبطي في الداخل، فقد أحيا أقباط المهجر في بعض العواصم الغربية ذكرى المذبحة بفعاليات هزيلة، تضمنت صلوات ووقفة صامتة بالشموع في كندا، وأقامت منظمة التضامن القبطي بأمريكا مؤتمرا الأسبوع الماضي في واشنطن.
وأصدر اتحاد المنظمات القبطية في أوروبا، بيانا روتينيا بمناسبة الذكرى الخامسة لمذبحة ماسبيرو، أكد فيه أن هذه الأحداث تعد جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، وطالب بتقديم الجناة الحقيقيين لمحاكمة عادلة.
وكانت محكمة عسكرية قد قضت في نيسان/ أبريل 2012، بالسجن على ثلاث جنود فقط بالسجن مدة تتراوح بين سنتين وثلاث سنوات بتهمة القتل الخطأ، بينما أغلق قاضي التحقيق الجزء الثاني من القضية والمتعلق بقتل المواطنين بالأعيرة النارية لعدم كفاية الأدلة، فيما أفلت الضابط والقيادات العسكرية من المحاكمة رغم تسببهم في قتل وإصابة عشرات الأشخاص.
وتجاهل الإعلام القبطي المؤيد للانقلاب ذكرى المذبحة، وانشغل بمتابعة قضايا أخرى مثل مباراة منتخب مصر لكرة القدم أمام الكونغو في تصفيات كأس العالم، وتحذيرات السفارات الأجنبية لرعاياها في مصر بتوخي الحذر في هذا اليوم.