أثارت الانتكاسة الصحية لرئيس
السلطة الفلسطينية محمود عباس، قبل أيام، تساؤلات حول المشهد الذي ستبدو عليه الساحة الفلسطينية في حال وفاته وعدم وجود بديل تنتقل إليه الرئاسة بسلاسة.
عباس الثمانيني تعرض قبل أيام لانتكاسة صحية إثر مشاكل مزمنة يعاني منها في القلب استلزمت دخوله للمستشفى، وسط غموض في الأنباء عن حالته الصحية، ليخرج بعدها بساعات ويعلن أمام جمع من الصحفيين وقيادات السلطه أنها أزمة بسيطة وانتهت بعملية قسطرة قلبية.
ولم تغلق تطمينات عباس عن صحته باب الحديث عن البديل المقبل للسلطة، في ظل المشهد الفلسطيني المعقد، وانسداد الأفق أمام مفاوضي السلطة مع الطرف الإسرائيلي الذي يسيطر عليه اليمين الرافض لمنح السلطة أي مكاسب بشكل مطلق.
وتتداول العديد من التقارير أسماء قيادات في السلطة الفلسطينية مرشحة لخلافة عباس.. لكن المشهد لا يوضح الكفة الراجحة لهذه الأسماء، حيث يعاني العديد منها من إشكالات تجعله بعيدا عن التربع على عرش المقاطعة، إذ لا تحظى بعض الأسماء المتداولة بشعبية داخل فتح، والبعض الآخر جزء من تيار لا يشكل أغلبية داخلها وشخصيات أخرى ليس لها تاريخ في الحركة.
الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني حسن عبدو، توقع في حال
وفاة عباس دون ترتيب الوضع الداخلي للسلطة، الوقوف أمام "أسوأ حقبة بتاريخ الشعب الفلسطيني بسبب ما تعانيه الساحة من انقسام بين الفصائل، تعمق على مدى السنوات الماضية".
وقال عبدو لـ"
عربي21" إن "السياسة الفلسطينية أصبحت قديمة وهرمة، والساحة الآن تشهد تفككا بشكل دائم ومستمر بسبب الخلافات الداخلية والانقسام الذي لا يرى له أفقا للحل".
ولفت إلى أن "غياب رئيس السلطة بشكل مفاجئ في هذه الفترة، سيؤدي لتنازع الشرعية على قيادة السلطة بين تيارات حركة فتح، بالإضافة للتدخلات الإقليمية الكبيرة التي ستجرى لتوجيه السلطة نحو الأجندات العربية غدا، وسيضعف تمثيل الفلسطينيين في المنطقة ونصبح أمام مشهد الفلسطينيين عام 1948".
ورأى عبدو أن الجانب الإسرائيلي هو المستفيد الأكبر من تناحر الفلسطينيين في حال غياب عباس إذ إن الفرصة ستكون سانحة أمامه لإعادة ضم الضفة الغربية، بحجة انفلات الأمور والاقتتال الداخلي الفلسطيني على كرسي السلطة.
ولم يستبعد وقوع صدامات بين تيارات حركة فتح المسيطرة على السلطة والتي لا يظهر أنها تتفق على مرشح بعينه، وقال: "بعض الأطراف في حركة فتح يقولون إن الرئاسة يجب أن تؤول لأكبر أعضاء اللجنة المركزية سنا. البعض الآخر يتحدث عن دحلان صاحب الشعبية الكبيرة في صفوف حركة فتح بغزة بعكس الضفة، وبعض التقارير تطالعنا باسم ناصر القدوة وهو شخص لا يحظى بإجماع داخل الحركة".
وينص القانون الأساسي الفلسطيني (الدستور المؤقت)، على أنه في حالة وفاة الرئيس أو شغور منصبه لأي سبب كان، فإن رئاسة السلطة تؤول إلى رئيس المجلس التشريعي والرئيس الحالي للمجلس، عزيز دويك، أحد قيادات حركة حماس، وهو الأمر الذي لن تسمح به حركة فتح بحسب عبدو.
وأوضح أن المجلس التشريعي تم تعطيله من قبل السلطة منذ بدايات الانقسام. وفي حال وفاة عباس فربما تقول حركة حماس إن الرئيس الشرعي الآن هو عزيز دويك، وهو ما لن تقبله حركة فتح، وربما تلجأ لصيغة أخرى لتجنب اللجوء للقانون الأساسي وبقاء مهمة إيجاد رئيس جديد ضمن إطار المنظمة أو حركة فتح.
وعلى الصعيد الإقليمي العربي، قال عبدو إن المحور الذي تقوده السعودية لا يرغب بوجود بديل لعباس حاليا، بهدف تطوير العلاقات مباشرة مع إسرائيل وتسلم الملف الفلسطيني بالنيابة عن الفلسطينيين بعد إغلاق اليمين الإسرائيلي كل أبواب التسوية مع السلطة.
يذكر أن القناة الثانية الإسرائيلية تحدثت عن إجماع مصري أردني خليجي على قيادي في حركة فتح، لخلافة محمود عباس في رئاسة السلطة الفلسطينية.
وقالت القناة الثانية، إن رئيس الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، بحثا شخصيّا مع عبّاس اختيار ناصر القدوة، ابن شقيقة ياسر عرفات، خلفا للرئيس الفلسطيني.
ووفقا للقناة الإسرائيلية الثانية، فإن السعودية والإمارات أرسلتا مبعوثين للتشاور مع عباس ومسؤولين في السلطة حول خليفته.
وذكرت القناة الثانية أن قادة الدول العربية الأربع، طمأنوا محمود عباس بأن أبناءه سيكونون بحمايته ولن يتضرروا بعد تخلي والدهم عن السلطة.
وكان الكاتب البريطاني ديفيد هيرست، قال إن عباس "بات واحدا من آخر الساكنين في مبنى يكاد يكون فارغا من السكان"، ويقصد بالمبنى حركة فتح.
ولفت إلى أن "حركة فتح تتفسخ وتنهار حاليا دون مساعدة من إسرائيل، ويبدو أن الخيارات بشأن من سيخلف عباس في قيادة السلطة باتت محصورة بين مسؤول أمني فلسطيني وآخر على شاكلته".
وأضاف: "أحدهما
ماجد فرج، الذي يخدم مصالح إسرائيل بشكل مباشر في الضفة الغربية.. وأما الآخر فهو محمد دحلان الذي يخدم الإمارات العربية المتحدة، وله ارتباطات قوية بإسرائيل وبالولايات المتحدة الأمريكية".
ولفت إلى شخص آخر يطرح اسمه مع ماجد فرج، في أوساط حركة فتح لخلافة عباس، وهو كبير المفاوضين صائب عريقات.. لكن هيرست قال: "كلا الاسمين لا يلقيان قبولا في أوساط قواعد حركة فتح التي يكاد عناصرها يشتاطون غضبا، ولا يترددون عن التعبير عن استعدادهم للوقوف في وجه مثل هذه الخيارات لو تطلب الأمر، بالسلاح".