كتاب عربي 21

أعيادنا واقتصادنا

مصطفى محمود شاهين
1300x600
1300x600
من يعيش في الغرب يشعر بعظمة الدين الإسلامي وجماله في إحياء معان كثيرة تهفو النفس إليها، فللعيد سمات خاصة في ديننا وبلداننا؛ فتجد المودة والألفة تسود الناس ويهنئ بعضهم بعضا بأعيادهم، ففي العيد تلتقي الأهل والجيران، ويتعاطف الأغنياء مع الفقراء، فتجد النفوس متسامحة مسرورة بالعيد، أما الأعياد الغربية فتختلف في طبيعتها عن الأعياد في بلادنا العربية.

فالعيد في الغرب في أغلب الأحوال هو عيد لتجمع الأسرة التي تفترق طيلة العام والفرحة تكون داخل البيت فقط، لا ترى لها أثرا في الشارع، ولا تجد فيه ما تراه في شوارع القاهرة أو طرابلس أو الجزائر، فلا تجد اجتماع عامة الناس أو تصافح الناس مع بعضهم البعض، إنما يقتصر الأمر على الأسرة الواحدة، فما زال الشرق يحتفظ بسحر خاص في أعياده بغض النظر عن الدين، فأعياد المسيحيين العرب ربما تتطابق في مظاهرها مع أعياد المسلمين، والحقيقة أن المواطن الذي لم يغادر بلده لا يشعر بالفرق بين النعمة التي بين يديه والشقاء الذي حرم منه إخوانه في الغربة. 

 وسمة أخرى خاصة بأعيادنا أن أعيادنا ترتبط أيضا بتحقيق وظائف اقتصادية قلما تجدها في أي دين آخر أو في المجتمعات الغربية؛ ففي عيد الفطر المبارك فرض الله على المسلمين أداء صدقة الفطر للفقراء ويطلب النبي صلي الله عليه وسلم أن اغنوا الفقراء في هذا اليوم وأغنوهم عن السؤال في هذا اليوم، وفي عيد الأضحى المبارك، طلب الشارع الحكيم من المسلمين أن يضحوا بأضاحيهم ويجعلوا نصيبا للفقراء والأصدقاء، وبهذه التشريعات الاقتصادية يكون لها أثر هام على الاقتصاد الكلي، فبتحويل الأموال من الأغنياء إلى الفقراء، يزيد استهلاك المجتمع كله، وزيادة الاستهلاك بطبيعة الحال تزيد الطلب على الإنتاج كله في المجتمع، ما يؤدي إلى زيادة الأرباح وتشغيل العمالة في مشاريع الإنتاج، ومن ثم تقل الواردات، وتزداد الصادرات التي تزيد من قوة الاقتصاد بزيادة الإنتاج. 

إنما مشكلتنا الحقيقية أننا نزيد الطلب ولا نزيد الإنتاج، فيزيد الطلب على الاستيراد، وتتفاقم مشكلات الحصول على العملة الأجنبية وتدهور العملة الوطنية، إن وقود الاقتصاد الذي نحتاجه لتحريك عجلة الإنتاج موجود، ولكن يتم التسرب من الاقتصاد الوطني إلى الاقتصادات الخارجية كالصين والاتحاد الأوروبي، ما أدى بنا إلى أن اصبحنا سوقا مستهلكة للغير، فقلصت من قوة ووجود صناعاتنا، وقللت من فرص العمل عندنا، وزادت من الهجرة من دولنا إلى الغرب وتفشي الفقر في أوساط المجتمع .

والعجيب في الأمر أن يتهم الإسلام في نسكة بأن المسلمين أعداء لحقوق الحيوان، فكيف لهم أن يقوموا بذبح الأضاحي وإزهاق أرواح الحيوانات البريئة في أعيادنا؟ فيقول أحدهم:
"مذبحة سنوية تتكرر بسبب كابوس باغت أحد الصالحين بشأن ولده الصالح، ورغم أن الكابوس مرّ بسلام على الرجل الصالح وولده وآله، إلا أن كائنات لا حول لها ولا قوة تدفع كل عام أرواحها، وتُنحر أعناقها، وتُهرق دماؤها دون جريرة، ولا ذنب ثمنا لهذا الكابوس القدسي"

فهؤلاء الكتاب مارقون، ولا يعرفون عن ثقافة وعادات الغرب شيئا، وينزلون علينا بشروح الوعاظ أصحاب المدنية والليبرالية الحديثة، ولا يعرفون أن الولايات المتحدة الأمريكية وحدها في عيد من أهم أعيادها، عيد الشكر -وهو عيد مرتبط بموسم الحصاد والوصول إلى أمريكا من الأوروبيين- يذبحون 46 مليون ديك رومي في أسبوع واحد، وأنه خلال عام واحد يذبحون قرابة 41 مليون بقرة، وهو تقريبا أضعاف أضعاف ما يذبح في أعيادنا لسنوات عديدة.

يمكن لدولنا أن تزيد من الإنفاق في الأعياد التي ستؤدي حتما إلى زيادة الإنتاج المحلي من خلال تحسين بيئة الأعمال من محاربة الفساد وزيادة المحاسبة والمكاشفة، والتي بدورها ستخلق صناعات صغيرة وكثيرة في الاقتصاد، ما يزيد من حجم الناتج القومي الإجمالي في الدولة، إن أزمة المسلمين الآن فيمن يحكمهم، فلا هم أصلحوا لهم دنيا ولا دينا، وأفسدوا عليهم دنياهم وآخرتهم، فالأولى بالمسلم أن يسعد بعيده ويهنأ وأسرته وجيرانه بعيده، وكل عام وأنتم بخير .
0
التعليقات (0)