قبل يومين شاركت في برنامج تلفزيوني على قناة "فلسطين اليوم" بشخصيتين فتحاويتين إحداهما مقرّبة من دحلان والأُخرى من "أبو مازن"، كان الحوار ساخنا باتجاه وحدة حركة فتح، وباردا إزاء لغة الحوار، والتمسك بالنظام الداخلي للحركة كفيصل لنزع فتيل الخلافات، ولم يتم تبادل الاتهامات أو الشكوك، كانت لغة مصالحة وتساهل، الأمر الذي أوحى لي، بأن أجواء "المصالحة الفتحاوية" آخذة بالتسيّد على حساب لغة الاتهام والتنديد والوعيد والتشكيك، ولا شك أن هذه اللغة تعود بالأساس إلى استجابة حركة فتح -وهنا لن أستخدم مصطلح طرفي الأزمة تعبيرا عن سيادة لغة المصالحة- قيادة وكوادر وقواعد للجهود العربية لإعادة الوحدة إلى الصف الفتحاوي، ولعلّ ما تمّ أثناء تشكيل قوائم حركة فتح، بشكل عام، يوحي بترجمة هذه اللغة إلى أفعال وعدم الاقتصار على الأقوال والشعارات، وكفلسطيني أولا وأخيرا، وجدت بذلك كل الترحيب والسعادة، ذلك أنني أرى كما يرى معظم الوطنيين الفلسطينيين أن حركة فتح، ركيزة النضال الوطني الفلسطيني وهي إحدى أهمّ دعائم الإبقاء على قضيتنا الوطنية حيّة وصامدة في وجه كل أشكال الاحتواء والتدمير.
تأتي هذه الأجواء المتسامحة والمنطلقة في ظل حراك عربي معلن، من أجل إعادة الوحدة إلى الفصيل الأساسي في الساحة الفلسطينية، حركة فتح، هذا الحراك المتجدد والمتسارع نحو هذا الهدف الواضح والمحدد، يطرح العديد من الأسئلة، لماذا الآن بالتحديد، مع أن أزمة حركة فتح بدأت منذ حوالي خمسة أعوام سابقة، صحيح أن هناك محاولات سابقة، لكنها متفرقة وغير فاعلة ولم تترك أثرا على لغة الحوار الداخلي لدى الحركة، والأهم أن ذاك الحراك كان فرديا، بينما الآن فإن "المجموعة العربية" أخذت تمنح هذا الحراك بعدا عربيا وإقليميا، مصر والسعودية والأردن والإمارات، ولماذا الآن على ضوء إعادة الحديث عن مصالحة فلسطينية داخلية من جهة، والعودة للحديث عن جهود حثيثة لاستئناف العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي!
لا أعتقد أن من يقف وراء هذا الجهد لإعادة الوحدة إلى حركة فتح، يهدف فقط إلى تصحيح العلاقات الداخلية للحركة أو حرصا على دورها في المواجهة مع الاحتلال، بقدر ما يهدف إلى إنضاج ظروف تسمح بمنح جهود العملية السياسية التفاوضية فرصة للنجاح، إذ بدون وضع فلسطيني أكثر تماسكا، لن يكون هناك بالإمكان نجاح مثل هذه الفرصة، فالعرب باتوا أكثر توقا إلى التماسك في مواجهة تداعيات "الربيع العربي" وما أفرزه من متغيرات على الخارطة السياسية والاجتماعية للمنظومة العربية، خاصة في سياق مواجهة الإرهاب وقواه المنتشرة في ربوع هذه المنظومة، بالإضافة إلى حالة الاستقطاب المذهبي، عربيا وإقليميا، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى الاصطفاف "السنّي ـ الشيعي" على الصعيد العربي ـ الإقليمي.
وليس ببعيد عن حالة الاستقطاب هذه، الترجمة الهادئة للتفسير الإسرائيلي للمبادرة العربية المترافق مع تطبيع متسارع رغم هدوئه بين بعض العرب والدولة العبرية، التفسير الإسرائيلي للمبادرة العربية، انقلاب في ترقيم بنود المبادرة، فالتطبيع مع إسرائيل يأتي مقدمة لترجمة محتملة ومعدلة للبنود الأخرى في هذه المبادرة، وعوضا عن أن تكون إسرائيل بحاجة وتطلب مثل هذا التطبيع، يصبح التطبيع مطلبا عربيا لاسترضاء إسرائيل كي تدخل في نطاق هذه التقاطعات والاستقطابات، والبوابة الأكيدة لهذا الممر يعبر من خلال العملية السياسية التفاوضية على المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي، إلاّ أن ذلك يتطلب أولا وقبل كل شيء سدّ الثغرة التي تعيق هذا التحول، وهي الساحة الفلسطينية وبداية ذلك من خلال إعادة الوحدة للصف الفلسطيني انطلاقا من وحدة حركة فتح بالتوازي مع ضغوط عربية على حركة حماس من أجل إنضاج عملية المصالحة مع حركة فتح، مع منح الأولى عرضا لا يمكن رفضه، إما بوصفها في موقع المسؤولية عن الانقسام الفلسطيني، وما ينتج عن ذلك من إزالة الغطاء عنها من قبل بعض الأنظمة الداعمة لها، أو الولوج في عملية المصالحة مع الحفاظ على العديد من المزايا التي تجعل من الحركة عنصرا مقررا في مستقبل العملية السياسية.
الجهد العربي نحو إعادة الوحدة لحركة فتح، جهد جدي وبأفق إقليمي ودولي، وإذا كانت حركة فتح تشكل العمود الفقري للوطنية الفلسطينية، فهي الآن وفي ضوء مستجدات الخارطة السياسية، باتت عمودا فقريا لا يمكن القفز عنه في ضوء الحراك من أجل أن تصبح الدولة العبرية جزءا من خارطة جديدة في ظل الاصطفاف الجديد في المنطقة.
ونلحظ هنا وفي هذا السياق، النشاط المتسارع من أجل عقد مؤتمر باريس للسلام وتقاطع "مبادرة" الرئيس السيسي مع المبادرة الفرنسية، والتقارب العربي الملحوظ بين مجموعة الدول المؤثرة التي أشرنا إليها سابقا، والرهان على أن اجتماع القمة في موسكو في حال انعقاده من شأنه أن يزيل وإن بشكل أولي عملية الاستعصاء في العملية السياسية، مع أن قمة موسكو، ستشكل تملصا من المبادرة الفرنسية من قبل حكومة نتنياهو!!