"كارثة العصر" تماما كما وصفها بان كي - مون، لكن بعد خمسة أعوام من القتال المجنون والدمار الهائل وأكثر من ثلاثمئة ألف قتيل و12 مليون لاجئ، إلى أين يمكن أن تذهب سوريا؟ واستطرادا، كيف يمكن أن ينعكس مصيرها على المنطقة؟
الذين يتخذون القرارات في جبهة النظام وفي جبهة المعارضة تتحكم بهم وقائع الميدان معطوفة على حسابات سياسية فيها كثير من المغالاة، لكن الذين يستعملون المنظار المكبر للنظر إلى سوريا والمنطقة تتحكم بهم حسابات باردة، وهذا ما يسيطر على مقاربات الروس والأمريكيين وراء الجدران السياسية المغلقة.
قيل الكثير عن المواجهة وصراع النفوذ بين موسكو وواشنطن، لكن المخارج لن تكون إلا عبر ما يتفق عليه الطرفان اللذان يبدو أنهما متفقان على الحل، وهو ما تكشفه مواقفهما الأخيرة من التطورات، فها هو بوتين مثلا يدخل المعركة في أيلول من العام الماضي، معلنا أنه سيحسم في أربعة أشهر وينسحب، وها هو أيلول يصل، ولم تعد حميميم كافية، وقد صار في حاجة إلى همدان الإيرانية!
بعد كل هذا واضح أن سوريا أمام أربعة مخارج هي:
أولا - إما أن يتمسك النظام وحلفاؤه الإيرانيون بوهم استعادة السيطرة على كل الأراضي السورية، وهذا من المستحيلات كما ثبت في الأعوام الماضية، وسيكلّف المزيد من الدماء والدمار، وهو ما يقتنع به الأمريكيون والروس، وقد تأكّد مثلا عندما لوّح بوتين في 15 آذار الماضي بالانسحاب للضغط على الأسد وإنجاح محادثات جنيف بشروط موسكو، التي تريد بقاء الأسد 18 شهرا حتى الانتخابات المقبلة.
ثانيا - وإما الذهاب إلى نظرية التقسيم التي طال الحديث عنها، والتي ستتحول نوعا من الدومينو أو الإعصار الذي يمزق خرائط المنطقة، وليس هناك من يريد أو يتحمّل مسؤولية ما سيتسبب به هذا من الشرور والمآسي والنزاعات، والدليل أن إقامة دولة الساحل للعلويين والشمال للأكراد ستُبقي الوسط السوري والجنوب بؤرة دموية، تضاف إلى بؤرة الحروب التي سيشنها أردوغان في الشمال!
ثالثا - وإما الذهاب إلى الفيديرالية التي لا تعني بالضرورة التقسيم، بل تَحدّ من نهوض الديكتاتورية المركزية التي مارسها صدام حسين في العراق وبيت الأسد في سوريا، وهذا ما يبدو واضحا أن الروس والأمريكيين يدفعون التطورات ميدانيا وسياسيا للوصول إليه .
يكفي أن نتذكر حرص واشنطن وموسكو ضمنا على بقاء التوازن الميداني في حلب أخيرا، ودعم أمريكا للأكراد في الحسكة، ثم ردعهم من التوجه غرب نهر الفرات، وأن موسكو رتّبت وقفا للنار في الحسكة شكّل اعترافا صريحا بالإدارة الذاتية للأكراد في الشمال، بعدما كان بوتين قد دعا صراحة في الأول من آذار الماضي إلى الفيديرالية، لكي نتلمس المخرج الوحيد المعقول في سوريا والعراق أيضا.