قضايا وآراء

ألطاف الله في قضائه.. نِعمٌ لا يدركها القلب الغافل

عصام تليمة
1300x600
1300x600
كثيرا ما نحفظ آيات وأحاديث، وحكم ومواعظ، تأسر قلوبنا وعقولنا، وقت قراءتها، وتأخذ بمجامع الإنسان وكيانه، لا يدري متى يستخدمها قلبه وعقله في وقت ما، ثم تدرك في وقت معين، في محنة مثلا، تجد الآية أمامك أو الحديث أو الحكمة، وكأنك تقرأها لأول مرة، وكأنك أنت المخاطب بها وحدك، وقد ساقها القدر أمام خاطرك في هذه اللحظة، وهذا من فضل الله على الإنسان. ومن الحكم التي حفظناها ورددناها كثيرا قول ابن عطاء الله: (من ظن انفكاك لطفه عن قدره، فذلك لقصور في نظره). أي: إذا ظن إنسان أن قدر الله يأتي للإنسان دون أن يسوق الله عز وجل لطفا مع القدر ليخفف به عن الإنسان هذا المصاب، فهذا التصور يأتي بناء على قصور في نظر الإنسان وإيمانه بربه، يقول تعالى: (إن ربي لطيف لما يشاء).

ومن خلال تجربة شخصية لي أسوقها لأنها تعبير عملي عشته عن لطف الله في أقداره دوما، من خلال محنة عشتها، كانت في تعرض ابنتي لحادث مؤلم، ثم وفاتها بعد الحادث بخمس سنوات، عندما أستيعد شريط الحدث، وملابساته، أرى لطف الله لم يفارقنا في هذا القدر، الذي يراه من خارجه صعبا، وتحمله أصعب، لكن لطف الله كان دوما معينا فيه فلله الحمد والمنة، وهكذا كل حدث جلل يعيشه الإنسان، لا يخلو من لطف يضعه الله عز وجل يهون هذا الأمر.

ملخص الحادث: أني خرجت لجلب دواء لابنتي وكانت وراء السيارة ولم أدر بها، فرجعت على رأسها بالسيارة، وكانت طبيعتي أني لا أتحمل رؤية الدماء، ومنظر الدم يصيبني بفقدان رؤية، ودوار شديد أفقد فيه اتزاني، فتظلم الدنيا في عيني تماما، ولأني كنت وحدي مع ابنتي، فقد لطف الله بي وتماسكت حتى طلبت الإسعاف وجاءت لتحملها، ثم بعدها بدأت الأعراض التي تأتيني عند رؤية الدماء، وهذا لطف من الله. وكان هذا المشهد تمهيدا لي لتحملي رؤية دماء من سقطوا بعد ذلك في حادث المنصة، ثم فض رابعة والنهضة ومصطفى محمود. 

وكنت أخشى وقع الخبر على زوجتي، فلما دخلنا العناية المركزة، فوجئت زوجتي بامرأة سودانية تجلس أمام طفلة ترقد على سرير في العناية المركزة بجوار سرير ابنتي، فحدثتها المرأة أن لديها أربع بنات، يكبرن إلى سن معين، ثم بعدها يأتي قضاء الله لهن بالموت دون أسباب معروفة، وقد ماتت ثلاث بنات وهذه هي البنت الأخيرة ترقد في فراش الموت، تنتظر الأم قضاء الله فيها، فكانت رسالة تثبيت عمليا لزوجتي، فإذا ابتلاها الله في بنت لها فقد عافى آخرين من أبنائها، ووجدت ثباتا على وجه المرأة ألجم حزنها تماما، فجعلها لا تنطق إلا بكلمة: الحمد لله. 

ثم خرجت بعدها تحكي لي ما رأت، ولا أدري ما الذي أوقع في يدي كتابا كان مركونا على رف في المستشفى، ووجدتني أقلب في صفحاته تلقائيا، فأجد حديثا وكأني أقرأه لأول مرة، رغم حفظي له من قبل، وكثرة استشهادي به للناس على المنابر، كان نصه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ماتَ ولد العبد المؤمن؛ قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ قالوا: نعم، قال: قبضتم ثمرة فؤادِه؟ قالوا: نعم، قال: فما قال؟ قالوا: استرجع وحمدك، قال: ابنوا له بيتًا وسمّوه بيتَ الحمد"، لأجدني أنطق بحمده سبحانه وتعالى، ولأول مرة أشعر معنى الحديث، في كل عبارة منه، وكل لفظة، تشرح معناه بجلاء، وتصور واقعا أعيشه لا يصوره غيره، فلفظة: (قبضتم ثمرة فؤاده)، ففعلا كل ابن من أبنائك هو ثمرة فؤادك، وكأنه قطع لجزء من قلبك، ثم المعنى الأكبر هو أن يسوق الله لك هذا اللطف بقدرته، فليس فضلا منك، لعلم ولا لعمل، يقول تعالى: (وما بكم من نعمة فمن الله) ويقول ابن عطاء الله: لا تفرحك الطاعة لأنها برزت منك. لأنها في حقيقة الأمر هي بفضل الله الذي وفقك لحمده وطاعته. 

ومر ما يقرب من خمس سنوات، وابنتي في غيبوبة كاملة لا إفاقة منها، وكل الأطباء لا يعطون أي بارقة أمل للشفاء، سوى أن نتقرب إلى الله بالدعاء، وهو ما حدث سواء بألسنتنا أم بألسنة الأحبة حولنا، ونظرا لإقامتي في اسطنبول وإقامة أبنائي في الدوحة، جاءت أسرتي لزيارتي في تركيا، وتحتاج ابنتي إلى مرافق لها يرعاها، فجاءت خالتها من مصر لتقيم معها فترة زيارة أبنائي لي، وبعد قدوم أبنائي بأيام قليلة، يأتي قضاء الله بوفاة ابنتي، وفي هذا لطف من الله عظيم، فلا زوجتي، ولا أحد منا كان يستطيع تحمل أن يرى ابنتي في لحظة سكرات الموت، ولكنه قضاء الله الذي لا ينفك لطفه عنه دوما للعبد، لو فكر فيه. والمحنة بطولها لا تخلو من ألطاف لا يحصيها مقال مهما طال، لكني ألمحت إلى أهم ما فيها، أو ما اطلع عليه المحيطون بي.

ولست أريد شخصنة المعنى في تجربتي، لكن المعنى الذي أود التركيز عليه: أن لكل إنسان تجربة لو تأملها لن يجد لطف الله يفارق قدره فيها معه، لو أحسن التأمل، فإذا لم تتقرب إلى الله بنعمه، قربك إليه بمحنه، وفي ذلك يقول ابن عطاء الله: (من لم يُقبل إلى الله بملاطفات الإحسان، سيق إليه بسلاسل الامتحان). لكن الأهم في هذا كله أن يكون في كل حدث لك سير منك إلى الله، سواء باللطف أو بالامتحان. عافانا الله وإياكم من داء الغفلة.
6
التعليقات (6)
آل عبيدي
الأحد، 28-08-2016 06:09 ص
انا لله وانا اليه راجعون ! أعظم الله أجركم وأحسن عزاءكم وأسكنها فسيح جناته إن شاء الله
أحمدفريد
السبت، 27-08-2016 02:56 م
اللهــم : يا حنّان يا منّان واسع الغفران اغفر لها وارحمْها وعافها واعف عنها وأكرم نُزُلها ووسع مُدخلها واغسلها بالماء والثلج والبرَد ونقّها من الذنوب والخطايا كما يُنقّى الثوب الأبيض من الدنس . اللهــم : أبدلها داراً خيراً من دارها وأهلاً خيراً من اهلها وزوجاً خيراًَ من زوجها وأدخلها الجنة واعذها من عذاب القبر ومن عذاب النار . اللهــم : أجزها عن الإحسان إحساناً وعن الإساءة عفواً وغفراناً . اللهــم : إن كانت محسنةً فزد فى حسناتها وإن كان مسيئةً فتجاوز عنها يا رب العالمين . اللهــم : أدخلها الجنة من غير مناقشة حساب ولا سابقة عذاب . اللهــم : آنِسْها فى وحدتها وآنسها في وحشتها وآنسها فى غربتها . اللهــم : أنزلها منزلاً مباركاً وانت خير المنزِلين . اللهــم : أنزلها منازل الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً . اللهــم : اجعل قبرها روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر النار . اللهــم : أفسح لها فى قبرها مد بصرها وافرش قبرها من فراش الجنة .يَمِّن كتابها ويسِّر حسابها وثقل بالحسنات ميزانها وثِّبت على الصراط أقدامها وأسْكِنْهُا فى أعلى الجنات فى جوار نبيك ومصطفاك . اللهــم : أعذها من عذاب القبر وجاف الأرض عن جنبيها . اللهــم : املأ قبرها بالرضا والنور والفسحة والسرور . اللهــم : قِهِا السيئات ( ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته ) . اللهــم : اغفر لها فى المهديين واخلفها فى عقبها فى الغابرين واغفر لنا ولها يا رب العالمين وأفسح لها فى قبرها ونور لها فيه . اللهــم : إنها فى ذمتك وحبل جوارك فَقِهِا فتنة القبر وعذاب النار وأنت أهل الوفاء والحق فاغفر لها وارحمها إنك انت الغفور الرحيم . اللهــم : إن هذه أمتك وابنة عبدك وابنة أمتك خرجت من روَحْ الدنيا وسمعتها ومحبوبيها واحبائها فيها إلى ظلمة القبر وما هى لاقيها . كانت تشهد ألا إله إلا انت وان محمداً عبدك ورسولك وانت اعلم بها . اللهــم : إنها نزلت بك وأنت خير منزول بها وأصبحت فقيرةً إلى رحمتك وأنت غنى عن عذابها آتها برحمة رضاك وقها فتنة القبر وعذابه وآتها برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثها إلى جنتك يا أرحم الراحمين . اللهــم : انقلها من مواطن الدود وضيق اللحود إلى جنات الخلود ( فى سدر مخضوض وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وفُرُش مرفوعة ) . اللهــم : ارحمها تحت الأرض واسترها يوم العرض ولا تُخْزِها يوم يبعثون ( يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) . اللهــم : يَمِّن كتابها ويسِّر حسابها اللهــم : اجعلها فى بطن القبر مطمئنةً وعند قيام الأشهاد آمنةً وبجود رضوانك واثقةً وإلى أعلى علو درجاتك سابقةً.. اللهم أرحمها .. آمين .. آمين آمين
محمد عظيمه
السبت، 27-08-2016 01:38 ص
الحمدلله
محمد ابوسالم
الخميس، 25-08-2016 11:14 م
صببت علينا بردا وسلاما يا مولانا بكلاماتك الثابته الموقنه فى رحمات ولطائف الله العزيز القدير الرحمان الرحيم ثبتك الله وادامك فى طريقه وهديه ورحمته
مصرى
الخميس، 25-08-2016 05:21 م
البقاء لله رحم الله ابنتك ايها الشيخ الجليل