بينما تشتعل الحرب في سيناء، فإنه ينمو ويتعزز التنسيق الاستخباراتي المصري الإسرائيلي والتحالف الاستراتيجي بين البلدين الذي استمر لعقود، ولكن بشكل سري وخفي.
تستضيف فيينا في الشهر القادم الاجتماع السنوي الستين للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أعلى كيان صانع للسياسة ضمن هيئة الرقابة النووية التابعة للأمم المتحدة.
على مدى العقود الثلاثة الماضية، وفي شعيرة سنوية، ما فتئت جامعة الدول العربية بزعامة مصر تعد مشروع قرار في عدة مناسبات لإدانة إسرائيل بسبب رفضها الانضمام إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة ولإجبارها على فتح مفاعلها النووي في ديمونا أمام مراقبي الوكالة الدولة للطاقة الذرية.
وكان مثل هذا القرار يقابل بالرفض باستمرار بفضل ائتلاف تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، يسارع في كل مرة إلى تحصين إسرائيل ضد التنديد والإقصاء.
قد لا تحتاج إسرائيل إلى مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية هذا العام. وبحسب مصادر داخل وزارة الخارجية الإسرائيلية وهيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية، فقد وافقت مصر هذه المرة، وفي خطوة غير مسبوقة، على عدم التقدم بمشروع قرار ضد إسرائيل.
جاء قرار القاهرة المفاجئ على إثر الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى القدس والتي التقى خلالها برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والذي يتولى إدارة هيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية والسياسة النووية الإسرائيلية.
هذا التبدل في الموقف المصري تجاه البرنامج النووي الإسرائيلي ما هو إلا جانب علني واحد ضمن العلاقات السرية العميقة جدا بين البلدين.
"السلام والسكينة"
في إسرائيل تعرّف العلاقات مع القاهرة على أنها "تحالف استراتيجي"، وهي تأتي من حيث أهميتها للمصالح الأمنية القومية في المرتبة الثانية مباشرة بعد العلاقات الإسرائيلية الأمريكية الحميمة.
تعتبر معاهدة السلام بين البلدين، والتي وقعت برعاية الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1979 أثناء حكم الرئيس أنور السادات والتي تمكنت من التغلب على العديد من العوائق والأزمات في عهد خلفه الرئيس حسني مبارك، جزءا أساسيا من الأمن القومي الإسرائيلي.
وكان من ثمار السلام والسكينة على امتداد ما يقرب من 200 كيلومترا من الحدود بين البلدين أن تخفف الجيش الإسرائيلي من عبء الإبقاء على نسبة كبيرة من قواته منتشرة على امتداد الجبهة الجنوبية. وبالمقابل، تمكنت إسرائيل من تخصيص نسبة أكبر من قواتها لمواجهة التحديات على امتداد الجبهة الشمالية مع سوريا ولبنان، وكذلك من إرسال القوات للحفاظ على الأمن والهدوء في الضفة الغربية المحتلة.
من هذه الناحية، يعتبر الرئيس عبد الفتاح السيسي حليفا مهما. فمنذ أن جاء إلى السلطة قبل ثلاثة أعوام، ارتقت الروابط العسكرية والأمنية بين البلدين – والتي تقوم على أساس من الانطباعات والمصالح المشتركة – لتصل إلى مستويات رفيعة تجاوزت بمراحل ما كانت عليه أثناء حكم حسني مبارك.
ترى كل من الحكومتين أن حركة حماس الإسلامية في قطاع غزة عدو مشترك. ويذكر أن السيسي وقادته العسكريون هم الذين سدوا المنافذ خلال الحرب الأخيرة بين إسرائيل و"حماس" في عام 2014 أمام كل فكرة لوقف إطلاق النار إذا ما كانت تشتمل على أدنى قدر من الإنجاز لحركة حماس.
ولذلك كان العناد المصري أكثر من الرغبة الإسرائيلية هو المسؤول عن إطالة أمد الحرب ومفاقمة معاناة المدنيين لواحد وخمسين يوما.
وقلما فتحت مصر منذ الحرب نقطة العبور الحدودية في رفح. ويقع عبء تزويد غزة بالمساعدات الإنسانية والمستلزمات اليومية على كاهل الإسرائيليين.
في الواقع تخضع غزة للحصار المصري أكثر مما تخضع للحصار الإسرائيلي، ومصر هي التي ترفض استخدام مينائها في مدينة العريش شمال سيناء لإيصال البضائع والتجارة إلى غزة، ما يبقي على ميناء أشدود الإسرائيلي البوابة الرئيسة لنقل البضائع إلى غزة.
مد يد العون في سيناء
ولكن أكثر من أي شيء آخر، تعود جذور العلاقات الحميمة إلى الحرب ضد جماعة أنصار بيت المقدس التي تتخذ من سيناء مقرا لها. نشأت هذه الجماعة، والتي تتركز بشكل أساسي في شمال سيناء، في أواخر عهد نظام مبارك وانتعشت وازدهرت في ظل رئاسة محمد مرسي.
حينما وصل السيسي إلى السلطة، أعلن الحرب على الجماعة والتي بادرت منذ ذلك الوقت بمبايعة زعيم الدولة الإسلامية أبي بكر البغدادي وبدلت اسمها لتصبح "ولاية سيناء التابعة للدولة الإسلامية في العراق والشام". وبحسب ما تقوله وكالات الاستخبارات الإسرائيلية والمصرية فإن هذه الجماعة تتلقى الدعم من الجناح العسكري لحركة حماس، والذي يتلقى بدوره التمويل والتسليح من إيران.
لم تمض الحرب على الدولة الإسلامية في سيناء على ما يرام بالنسبة لأجهزة الأمن والجيش في مصر، بل نجم عنها مقتل ما لا يقل عن خمسمائة جندي مصري، واستمرار حالة عدم الاستقرار في سيناء، وتكبد خسائر مالية باهظة بسبب التراجع الهائل الذي شهده قطاع السياحة.
وفي سبيل تحسين وتحديث حربها، طلبت مصر الحصول على المساعدة الخارجية. وفعلاً، وافقت كل من وكالة الأمن الوطني الأمريكية والمخابرات البريطانية والمخابرات الفرنسية على تقديم المساعدة لها.
المصلحة في الاستمرار ما بعد السيسي
إلا أن ذلك لم يكن ليكفي. فقد طلبت مصر أيضا من المخابرات والجيش في إسرائيل مد يد العون لها، فسارعت إسرائيل إلى الموافقة بكل سرور، ليس فقط لأن ذلك يساعد على تحسين العلاقات السرية بين الجانبين، ولكن أيضا لأنه يخدم مصالح إسرائيل الأمنية في اجتثاث التهديد الإرهابي الذي تشكله الدولة الإسلامية على حدودها الجنوبية.
في الماضي، وبحسب مصادر الاستخبارات المصرية والإسرائيلية، وبحسب ما يفيد به الجنرال الإسرائيلي يوآف موردخاي، والذي يتولى مهام التنسيق مع السلطة الفلسطينية ومع غزة، أطلق إرهابيو الدولة الإسلامية الصورايخ على ميناء إيلات الإسرائيلي الجنوبي المطل على البحر الأحمر، وقاموا بمهام قتالية نيابة عن حماس اخترقوا خلالها الأراضي الإسرائيلية وهاجموا عددا من المواقع العسكرية الإسرائيلية المتقدمة.
حرص البلدان معا على إبقاء المساعدة الإسرائيلية طي الكتمان بكونها أمرا في غاية السرية إلى أن جرى مؤخرا كشف النقاب عنها في وسائل الإعلام العالمية. وبحسب بعض التقارير، تقوم وحدة سيجينت 8200 التابعة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بمساعدة المخابرات المصرية في اعتراض ورصد المحادثات والاتصالات الإرهابية بينما يطلب من حين لآخر من إسرائيل نشر طائراتها الزنانة (بدون طيار) للمشاركة في شن هجمات على إرهابيي الدولة الإسلامية في سيناء.
مثل هذا التعاون الوثيق يتم تنسيقه من خلال اجتماعات منتظمة بين ضباط الجيش في البلدين وكذلك بين ضباط المخابرات فيهما. ويذكر أن رؤساء جهاز الموساد ما فتئوا خلال العقدين الماضيين يلتقون من حين لآخر بنظرائهم المصريين إما في القاهرة أو في تل أبيب.
من الطبيعي جدا أن يعمد المسؤولون في الجيش والمخابرات داخل إسرائيل، والذين يتولون مسؤولية الحفاظ على العلاقات وتنميتها، إلى الاهتمام بشكل جدي وحثيث بالتقارير التي تتحدث عن المشاكل الاجتماعية والسياسية التي يواجهها السيسي. وذلك أنه إذا ما أجبر على الاستقالة تحت وطأة ضغوط داخلية أو خارجية فإن ذلك سيشكل خسارة عظيمة لإسرائيل.
إلا أن المسؤولين الإسرائيليين يعربون عن ثقتهم في الوقت نفسه في أنه في حال تنحى السيسي، أيا كان الشخص الذي سيحل محله – وفي الأغلب سيكون ذلك رجلاً عسكرياً آخر أو شخصا يتمتع بدعم الجيش – فإنه سوف ينهج السياسة نفسها تقريبا دونما تغيير أو تبديل. حيث إنه من المؤكد أن الحرب على الدولة الإسلامية في سيناء تعتبر مصلحة مصرية في غاية الأهمية.
يوسي ميلمان: معلق إسرائيلي مختص بالشؤون الأمنية والاستخباراتية وأحد مؤلفي كتاب "جواسيس ضد أرماجدون".
( عن موقع ميدل إيست آي)
3
شارك
التعليقات (3)
مصطفى دعيه
الأحد، 21-08-201608:48 ص
أعتقد أن هذه لعبة قذرة من إسرائيل للوقيعة بين الشعب المصرى والسيسى لآنها تعرف جيدا مدى كراهية العرب لها بشكل عام وبشكل خاص المصريين لذا تناولت هذا التقرير حتى ينساق الشعب وراءه ويحدث مالا يحمد عقباه الأفضل أن نفوت الفرصة على إسرائيل
علاء الدين عبد الشافي
الأحد، 21-08-201601:48 ص
ميكافيلي لخص الموقف بما يعبر العامه الان عنه أختصارا المصالح بتتصالح لكن يد اسرائيل يدها متلقه في كردسان العراق و مخابراتها تجري بحريه كامله في سوريه وليبيا وطبعا العراق دون ان تكون لأهل تلك الدول التى اصبحت بفعل فاعل اشباه دول فما الهدف من الجدل فيما هو رد فعل اجباري تفرضه مقتضيات الواقع المفروض أيضا بفعل فاعل ليس مجهول أو غائب مطلقا ولا يخفى اهدافه بل هي معلنه من بدء نشأته ومعلقه علي صدر برلمانها فلأ نقع في فخ خدمه مصالحهم المعلنه ونزيد الشقاق و نبدأ بالجدال الغغير مفيد أو منتج لأى خير
محمد شواقفه
السبت، 20-08-201611:41 م
اعتقد أن المسألة بالنسبة الى اسرائيل ستتعدى ما قدمه السيسي من تنازلات للحفاظ على امنها القومي او بالخوف المزمن من وجودها كدولة محتلة للأرض العربية في فلسطين ... طبعاً ما قدمه السيسي في هذا المجال فاق الطموح الاسرائلي وهذا ليس سيئاً بالنسبة لها .... ما يقلقها ان السيسي لن ينجح كزعيم لمصر يدير دفة الحكم بحكمة بالغة تبقي على المكتسبات وتؤمن الاختراقات وتبقي الشعب المصري صامتاً .... فالشعب المصري .... وهنا يربط الفرس .... قد بدء يتململ ويفقد الثقة بهذا الزعيم الذي لا يحسن ادارة كتيبة عسكرية ... فما بالك بدولة مدنية تتمتع بالكثير من التجربة السياسية ولديها مقومات الثورة .... هذا المر لا يمكن للسيسي ضبطه ولا حتى فهمه فهو لا يفقه في هذا المجال اكثر من حلمة اذنه .... مشكلة اسرائيل اليوم بايجاد الرجل الذي يلقى قبولا شعبياً وخاصة في طبقة من لديهم الخبرة السياسية وطبقة المثقفين ... هذا من ناحية ومن ناحية اخرى لن يكون السيسي ولا امثاله ممن يحققون الذين يرقون عن تصرفات غاية في السطحية والسذاجه فهو لا يعرف كيف يسرق ... ويضيق على الطبقة الكادحة الفقيرة الى حدّ العوز ... وهي اغلبية ساحقة في المجتمع المصري .... نهاية المطاف اعتقد ان اسرائيل واجهزتها الاستخبارية ليست بالغبية لتقبل باستمرار حكم العسكر خاصة بقيادة سخيف وسطحي مثل السيسي وهذا فقط ما يقلق اسرائيل