سياسة عربية

القاعدة تفجر ضريحا أثريا لشيخ صوفي في تعز باليمن (صور)

تعتبر القبة من أهم القباب الأثرية في اليمن - ارشيفية
تعتبر القبة من أهم القباب الأثرية في اليمن - ارشيفية
فجر مسلحون، قال سكان محليون إنهم يتبعون تنظيم القاعدة، قبة أثرية بمدينة تعز (وسط اليمن)، يعود تاريخها إلى عهد الدولة الطاهرية في اليمن (855 - 923هـ/ 1451- 1517م)، ويتواجد بداخلها ضريح لأحد أعلام الصوفية الكبار.

وتُنسب القبة، التي تم تفجيرها، إلى الشيخ الصوفي محمد بن علي السودي، المعروف في تعز باسم الشيخ عبد الهادي السودي، المتوفى عام 932 هجرية، بحسب بعض المراجع التاريخية.

وأفادت المعلومات أن أحد المفجرين لقي حتفه، فيما أصيب اثنان ممن كانوا معه جراء عملية التفجير؛ التي تمت الساعة التاسعة والنصف بتوقيت اليمن، من مساء الجمعة 29 تموز/ يوليو، حسب سكان محليين تحدثوا لـ"عربي21".

ولاقت العملية استنكارا شعبيا واسعا من مختلف الأوساط والشرائح اليمنية، في وقت استغلت فيه وسائل الإعلام التابعة للمليشيات الحوثية العملية، حيث عمدت إلى إلصاقها بالمقاومة الشعبية التي تفرض سيطرتها على المدينة.

شهود عيان

"لا نعرف شيئا، فقط سمعنا انفجارا ضخما الساعة 9:30 تقريبا، هز المنازل والحي، بعدها سمعنا وشعرنا بالأحجار وهي تتساقط في كل مكان"، هكذا يصف شاب عشريني من أبناء الحي، لـ"عربي21"، ما حدث مساء الجمعة الماضية.

وأضاف: "في البداية اعتقدنا أنها قذيفة وصلت الحي ضمن الحرب والقصف المتواصل الذي تتعرض له تعز من الحوثيين، لكن سرعان ما أدركنا أن الأمر يختلف هذه المرة، حيث لم يكن مجرد انفجار واحد، بل كانت عدة انفجارات قوية متتالية ومتقاربة، وكانت قريبة جدا وشعرنا أن منزلنا سيسقط".

وعن الأشخاص الذين قاموا بالتفجير، رد شاب آخر يقف بالقرب منه: "لا أحد يعرفهم". قالها بانزعاج واضح. واضاف: "فعلوها في الليل، ولم يكن أحد على علم مسبق بذلك؛ لأنهم حتى لم يحذروا أحد من أصحاب المنازل المجاورة بالمغادرة المنازل أو أخذ الحيطة.. كان ما حدث مفاجئا وسيئا".

مزار.. واستياء واسع

تحول المكان هنا إلى مزار لكثير من أبناء تعز لمشاهدة تفاصيل ما بعد الاعتداء. وفي الطريق، بالقرب من القبة، كنا قد سألنا أحدهم عن مكان موقع التفجير، وبعد أن شرح لنا أردف قائلا: "اليوم حضر كثيرون منذ الصباح يبحثون عن قبة الشيخ عبد الهادي".

وعلى أطلال الركام المتناثر، كانت الأحاديث ترتفع وتناقش ما حدث. وقال أحد السكان: "مائة عام"، وقاطعه آخر: "بل أكثر من مائتين عام"، وصحح ثالث من مكان قريب: "بل 500 عام".

وقال أحدهم: "تعز لم يسبق أن حدث فيها مثل هذه الأعمال من قبل"، وقرر آخر أن "هذه قاعدة عفاش"، يقصد الرئيس المخلوع علي صالح. وأضاف ثالث: "يريد أن يقول للعالم أن تعز يوجد فيها دواعش"، وهي التهمة التي طالما ظل إعلام مليشيات الحوثيين وصالح ترمي بها تعز المحاصرة من قبل هذه المليشيات.

واتهم المحلل السياسي اليمني، نبيل البكيري، ما أسماه "تنظيم عفاش الدولة بتعز" بتنفيذ هذه العملية. وكتب على صفحته الخاصة في فيسبوك: "تنظيم عفاش الدولة بتعز بقيادة حارث العزي ابن القاضي العفاشي لطف العزي وصهره همام الصنعاني، يفجرون ضريح الشيخ عبد الهادي السودي ومنفذي العملية معرفون للجميع وارتباطاتهم بعفاش. هذا تزامنا مع توجيهات عفاش وإعلانه لمجلسه السياسي بصنعاء".

مطالبة بالتحقيق.. ومفارقة

من جانبه، اعتبر وكيل وزارة الثقافة لشئون الحفاظ على التراث، عبد الهادي العزعزي، أن ما حدث "استهداف وانتقام بدون مبرر.. واعتداء على الاثار والأصول التراثية المادية للمدينة، في محاولة خبيثة لطمس الهوية الدينية الثقافية لها".

وأضاف لـ"عربي21": "انا أحمل قيادة الجيش الوطني والمقاومة الشعبية مسؤولية حماية الاثار للمدينة الواقعة تحت سيطرتهم".

واستغلت المليشيات هذه الحادثة، حيث ذهب إعلامها لاتهام أحد فصائل المقاومة الشعبية بتنفيذها.

لكن المفارقة تكمن في أن الشيخ عبد الهادي؛ تؤكد عدد من المصادر التاريخية أن له مجموعة من الرسائل والمكاتبات، منها "الرسالة في محبة أهل بيت الرسالة"، والتي يرد فيهاعلى مواقف علماء صنعاء "الزيدية" منه، حيث الذين لم تعجبهم مواقفه الداعية إلى مذهب أهل السنة..

من هو الشيخ عبد الهادي؟

وقد دفن الشيخ عبد الهادي السودي بمسجده الذي كان يسمى قبل ذلك بمسجد "ذو القبة"، نسبة للقبة الملاصقة للمسجد، والتي كانت من أكبر وأجمل القباب في اليمن. وبعد موته ودفنه داخل تلك القبة، تحولت مع المسجد إلى اسمه، كما أصبح الحي بأكمله يُعرف بحي الشيخ عبد الهادي السودي.

وتحدثت مراجع عديدة عن الشيخ عبد الهادي السودي الذي برع في علوم عدة، على رأسها علوم الحديث والقراءات والنحو والبديع والبيان وعلم الفرائض وعلم التصوف، حتى أصبح أحد أبرز مشايخ الطريقة القادرية في عهده، بعد أن كان ألبس عباءتها على يد مشايخ كبار بمكة المكرمة. وفي المدينة المنورة، واصل تلقيه علوم التصوف على يد الشيخ الصوفي المعروف، عبد الكريم بن محمد النيسابوري. وألّف القصائد ذات الطابع الصوفي، ونُشر له ديوانان، الأول تحت عنوان: "بلبل الأفراح"، باللغة الفصحى، والآخر بعنوان "نسيمات السحر ونفحات الزهر" ومعظمه باللغة الأقرب للعامية.

على أطلال القبة

كانت قبة الشيخ عبد الهادي قد توقفت منذ فترة طويلة عن تنظيم أية أنشطة تصوفية، وتحولت إلى مجرد قبة تحوي عدد من الأضرحة، حيث دفن بداخلها، إلى جانب ضريح الشيخ عبد الهادي، عدد من المشايخ والأعيان في المعروفين بالمنطقة.

وتلتصق القبة من جهتي الشمال والغرب بالجامع الذي تم تفجيره هو الآخر مع القبة، ليتحول مشهدهما البديع إلى مجرد ركام من الأحجار القديمة المطلية بالجبس الأبيض الذي شكل جمالية ورمزية معظم المعالم الإسلامية التراثية في تعز، كجامعي الأشرفية والمظفر التراثيين، القريبين من المنطقة في الحي القديم بتعز.
التعليقات (0)

خبر عاجل