ملفات وتقارير

في الأردن.. شد حبال بين "التنويريين" والمجتمع

مصطلح "الحرب على الإرهاب" أثار معارك جدلية عبر العالم الافتراضي والمواقع الإلكترونية بالأردن- تويتر
مصطلح "الحرب على الإرهاب" أثار معارك جدلية عبر العالم الافتراضي والمواقع الإلكترونية بالأردن- تويتر
جولة أخرى من شد الحبال والصدام، بين كتاب أردنيين "علمانيين" كما يصفهم خصومهم، أو "تنويريين" كما يصفون أنفسهم، وبين سواد أعظم محافظ، حول حرمة مهرجان جرش للثقافة والفنون الذي انطلق الجمعة الماضي.


ويرى مناهضو المهرجان أنه "يتسبب بفساد أخلاقي، وينشر سوء الأدب، وقلة الحياء"، بينما يرى الطرف الآخر أن "هذا الخطاب يتضمن مغالطة واقعية وأخلاقية وتاريخية؛ يقودها أساتذة كليات شريعة أردنية وشخصيات دينية متشددة".


جذب وشد


حالة الشد والجذب بين الطرفين لم تكن الأولى من نوعها، إذ خلق مصطلح "الحرب على الإرهاب" معارك جانبية عبر العالم الافتراضي والمواقع الإلكترونية في الأردن، بين كتاب ومثقفين طالب فريق منهم بإعادة تشكيل المفاهيم الدينية وتغيير المناهج الدراسية، بينما وصف الفريق الآخر الطرح السابق بأنه "يستهدف الدين الإسلامي مباشرة".


وتسببت مقالة للكاتبة الأردنية زليخة أبو ريشة، التي نشرتها صحيفة الغد اليومية في 28 حزيران/ يونيو، بجدل كبير حول دوافع "التنويريين" بعدما انتقدت الكاتبة مراكز تحفيظ القرآن الكريم، وقالت إنها "جميعها تقوم بغسيل الأدمغة"، ما دفع كثيرين إلى وضع المقالة في خانة "الحرب على الإسلام".


وقالت الكاتبة في مقالتها التي عنونتها بـ"غسيل الأدمغة"، إن هناك "مدارس داعشية قائمة على الفكر السلفي، يتغذى فيها الأطفال على احتقار المرأة، وتكفير العلمانية والحداثة والطوائف والأديان الأخرى".


من جهته؛ قال الكاتب الأردني محمد الصبيحي، إن ما يحدث من جدل ونقاش "ليس ناتجا عن حالة حضارية، وإنما رد فعل على حالة قائمة متمثلة في مواجهة التطرف".


وأضاف لـ"عربي21" أن "هناك من يبدأ بمهاجمة الدين والمعتقدات وكأنهما سبب ما يجري من قتل وتدمير، وينكرون وجود ملايين الجمعيات الإسلامية والأحزاب الوسطية ذات القواعد الشعبية الواسعة جدا"، مؤكدا أنه "يجب أن لا نأخذ الصورة الجزئية كمبرر للهجوم على المعتقدات الدينية كلها".


وبيّن أن "هناك من يركب الموجة طلبا للشهرة، ورأينا كتابات تهاجم مراكز تحفيظ القرآن، والمناهج الدينية بشكل عام، دون دراسة أو أدلة علمية، ودون فحص حقيقي لمضمون المناهج"، ذاهبا إلى القول بأن "الهدف من ذلك مهاجمة الإسلام بشكل عام".


وأوضح الصبيحي أن "بعض العلمانيين يمارسون تطرفا وإرهابا فكريا ضد الآخر، ويهاجمون المعتقدات بشكل سافر"، مؤكدا أن ذلك "يدفع إلى مزيد من التطرف، ويستفز حتى دعاة الإسلام الوسطي".


حرب على المناهج


وارتفعت في الأردن أصوات وصفت بـ"الليبرالية" تطالب بتغيير المناهج، وحذف نصوص دينية، ومراجعة أخرى؛ تحت عناوين "محاربة  التطرف والفكر المتشدد"، بينما ذهب طرح "المتنورين" الأوسع إلى الصدام مع المجتمع ومعتقدات الناس، على حساب الصراع مع السلطة.


ويرى الكاتب الصحفي محمود منير، محرر زاوية "تكوين" (مقالات لكتاب ليبراليين) في موقع "عمان نت" الإخباري، أنه "لا توجد معركة تنوير في الأردن".


وقال لـ"عربي21" إن ظروف المنطقة، وتحولات السلطة في الأردن؛ أنتجت حالة من شد الحبال والصدام بين المجتمع، وبين أفراد يدافعون عن شعارات مختلفة؛ جرى تصنيفهم من قبل الخصوم على أنهم "تنويريون أو ليبراليون أو علمانيون"، مؤكدا أن "هؤلاء التنويريين ليسوا حزبا، وليس بينهم حتى أدنى درجات التواصل" على حد قوله.


وأضاف أن حادثة الكاتبة زليخة "أظهرت بعض التضامن بين هؤلاء الأفراد، لكنه تضامن بحاجة إلى مراجعة" كما قال.


وأوضح منير أن "جزءا من المتنورين يعون أن معركتهم هي ضد السلطة، وليست معركة طارئة، إذ بدأت عندما أراد العباسيون تحويل الإسلام من دعوة وعدالة اجتماعية وحكم رشيد؛ إلى الاكتفاء بحكم ملكي، وإسناده بما سمي (أحكام الشريعة)، ومنذ ذلك الوقت والسلطة ممثلة بكل جوانبها السياسية والاقتصادية؛ تدافع عن إبقاء الإسلام محتكرا في فئة معينة".


أبو ريشة: لا نستهدف الإسلام


من جانبها؛ قالت عضو رابطة الكتاب الأردنيين، زليخة أبو ريشة، إن "الهدف من الكتابة التنويرية ليس مس المعتقد"، مضيفة: "أنا  ضد كل ما يمس المعتقد، وهذا لا نقاش فيه، فالمعتقد ينشأ عليه الإنسان ولا يختاره، ويتعلق بالجانب الوجداني، ولذلك فإن المس بالمعتقدات ممنوع".


وتابعت: "أما بخصوص مقالي؛ فأنا لم أهاجم الدين الإسلامي، ولا توجد كلمة واحدة في مقالي تهاجم الإسلام، وإنما انتقدت بعض مراكز التحفيظ، وهذه المراكز ليست عقائد".


ووصفت أبو ريشة ما أثير من نقاش وتراشق إعلامي بعد نشرها لمقال "غسيل الأدمغة" بأنه "صراع صحي، بالرغم من الشتائم والتكفير"، وقالت إنه "أصبح هناك طيف جديد؛ انبثق من وراء هذا الإشكال الذي حصل، وسيفضي هذا السجال إلى تغيير في الفكرة والفكر؛ إذا وجدنا آراء مؤيدة للمقالة".


إثارة الكراهية


وكان رئيس جمعية "المحافظة على القرآن الكريم" الأردنية، محمد خازر المجالي، قد اتهم أبو ريشة بـ"إثارة الكراهية، ومهاجمة كل ما له علاقة بالدين".


ووصف المجالي "أبو ريشة ومن يهاجم الدين مثلها" بـ"الإرهابيين الذين يريدون أن يشوهوا صورة هذا المجتمع الذي يتخذ من الإسلام أساسا له، كما ورد في الدستور الأردني، فالإسلام هو دين الدولة".


وقال في تصريحات لموقع "سواليف" الأردني الإخباري، إن اتهام التعليم القرآني يلزم بالضرورة منه اتهام الدين الإسلامي، مشيرا إلى أن "مشكلة الليبراليين والعلمانيين في الأردن ليست مع جمعيات أو مراكز قرآنية، وإنما حربهم باتت واضحة ضد الدين، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها".
التعليقات (0)

خبر عاجل