وصفت الكاتبة الإسرائيلية سارة ليفوفيتش فتح الله غولن، رجل الدين التركي المتهم بتشكيل الكيان الموازي داخل الدولة وتنظيم الانقلاب الفاشل الأخير، بأنه “رجل دين ليبرالي، يقرأ كتب الفلسفة، يهتم بالتعليم ويعارض الإرهاب، ومدمن على القوة والمال وينتظر الأيام التي يسيطر فيها الإسلام على الغرب”.
وقالت الكاتبة، في مقال لها مع صحيفة “معاريف”، الأربعاء، إن غولن “رجل أعمال ذكي وحكيم، ويسيطر مؤيدو حركته على الصحيفة التركية (زمان) ومحطات تلفاز وراديو ووكالات أنباء ودور نشر وشركات تأمين وبنك”، مضيفة أنه “نادرا ما يخرج من مزرعته الفاخرة رغم نجاحه في خلق شبكة واسعة فيها بين ثلاثة إلى ستة ملايين مؤيد في أرجاء العالم بعضهم رجال أعمال، وصحفيون ومعلمون يقولون إنهم حصلوا منه على الإلهام”.
وقالت الكاتبة إنهم “قد يكونون يأخذون الالهام من غولن، لكنه يأخذ منهم أموالهم”، موضحة أن “الكثير من المؤيدين يقدمون لحركته 10 في المئة حتى ثلث معاشهم وبعضهم يعيشون في جاليات مغلقة للحركة التي يديرها مجلس كبار السن حيث يراقب أنماط حياتهم ويحدد من يتزوجون وأين يعملون”.
حركة “الخدمة”
وقالت ليفونيتش إن غولن “ولد في شرق تركيا وكان أبوه إماما محليا، تعلم في مدارس دينية حتى سن 14 وبدأ يلقي الخطب الدينية”.
وفي عام 1960 أقام في إزمير حركة “هزمت” (الخدمة)، وفي السنوات الأولى لإقامتها ركزت الحركة على التعليم، حيث أقامت المراكز في المدارس المتوسطة وعالجت مشاكل المخدرات في أوساط الشبان وعملت على رفع مستوى التعليم، واليوم تنتشر شبكة التعليم لحركة غولن في اكثر من مئة دولة مع 2000 مدرسة ومليوني طالب، معظمهم في تركيا ودول فيها تركيز عال للأتراك مثل كندا وألمانيا، وفي الولايات المتحدة لوحدها توجد 140 مدرسة فيها 60 ألف طالب، بحسب مقال “معاريف”.
وقالت الكاتبة إن “مدارس الحركة مكلفة لأنهاتعتبر ممتازة، فهي تشجع تعليم الرياضيات والمواد العلمية ويحصل طلابها على عدد كبير من الجوائز وخاصة في الرياضيات”، معتبرة أن الحركة تسمي المدارسة بالضب مثل المؤيدين: “مدارس الإلهام”، مستدركة، نقلا عن تحقيق لصحيفة “نيويورك تايمز”، قال إن “الإلهام ليس وحده ما يتجول في مدارس غولن بل الكثير من الأموال”، موضحا أن أكثر من “50 مليون دولار انتقلت من شبكة المدارس للشركة المرتبطة بالحركة والتي فازت بعطاء القيام بأعمال إعمار في المدارس، وهذا بالرغم من من شركات أخرى اقترحت شروطا أفضل”.
وبحسب تقرير لصحيفة هولندية، فإن “الطلاب يكفون عن احترام أبويهم ويغرقون في الحركة، حيث يوجد هنا جنود صغار يسيرون حسب أوامر القادة”، أما صحيفة “دير شبيغل” فنشرت تقريرين قبل أربعة أعوام وعامين وجدت أن “بعض الطلاب المؤيدين للحركة يعيشون بما يسمى (بيوت النور)، حيث يراقبهم الحراس هناك وكأنهم في السجن وليس المدرسة، ويتعلمون فيها الإسلام ويشددون على روتين العمل والصلاة وأوقات النوم القليلة ليس أكثر من ثلاث ساعات في اليوم”.
وبحسب عضو الحركة الهولندي فان “اليزمط” (الحركة التعليمية في الخدمة) هي حركة هرمية ومنظمة، حيث ينصاع أعضاء مجلس كبار السن المسؤولين عن المدارس للقادة الإقليميين للحركة الذين ينصاعون لقادة الحركة في كل دولة، وهؤلاء ينصاعون لغولن الذي يسمى لدى مؤيديه “الماستر”، وسط تأكيد من مؤيدين سابقين أن كل جالية يقودها أشخاص محليين، رغم نفي غولن وجود بناء هرمي، وادعاءه أن الحركة تعتمد على المتطوعين وأن الجميع متساوون.
وأضافت الصحيفة، نقلا عن مؤيدين سابقين، فإن “الحركة هي حركة سرية ومحافظة جدا، لدرجة أنه لا توجد للحركة مكاتب رئيسية ولا يوجد لها عنوان رسمي، وهي ليست مسجلة في أي مكان ولا يوجد لها حسب بنك مركزي”.
أعمال وإعلام
إضافة للتعليم فإن غولن يعطي أهمية اهمية كبيرة لوسائل الإعلام، فهو الرئيس الفخري لمنظمة الإعلاميين والكتاب في تركيا، كما أنه يشجع مؤيديه على دخول الأعمال من أجل تقديم ما يسميه “الخدمات” وهم ينصاعون له.
وأشارت الكاتبة إلى أنه قبل ثلاثين عاما اشترى مؤيدو غولن الصحيفة التركية الأكثر انتشارا (زمان)، وفي عام 1993 أقاموا محطة التلفاز “سامن يولو”، وفي عام 1994 أسبوعية “أكتسيون”، وخلال سنوات التسعين فتحت عدة محطات راديو في تركيا، بالإضافة لوكالة أنباء “سيهان” التي تعمل في 50 دولة تعود إلى مؤيدي الحركة ولديهم أيضا محطة تلفاز في “نيويورك”.
ويحظى رجال الأعمال على مكانة مهمة في الحركة، حيث يشجع القادة مؤيدي الحركة على الزواج من رجال أعمال أو أحفادهم من أجل التبرع لليزمط، والكثير من المدارس تمول من رجال أعمال مسلمين.
منفى اختياري للتوسع
وقالت الصحيفة إن غولن وصل إلى الولايات المتحدة في نهاية سنوات التسعين من أجل الحصول على العلاج الطبي، ومنذ ذلك الحين لم يعد للسكن في تركيا، كنوع من النفي الإرادي الذي مكنه من توسيع نشاط الحركة وتحويلها إلى حركة دولية.
وفي مزرعته الفاخرة في بنسلفانيا يسكن مع دزينة من مؤيديه، وحسب الشهادات فقد ترك بيته مرتين، في الأيام التي تسمح بها صحته يصل إلى قاعة المزرعة ويلتقي مع مؤيديه ويجيب على أسئلتهم.
وقبل أن يترك تركيا بوقت قصير، اتهم غولن بمحاولة تحويل الدولة إلى إسلامية ومنذ ذلك الحين، فإن علاقاته مع المؤسسة التركية تشهد الصعود والنزول، ففي الماضي كان غولن من مؤيدي أردوغان الكبار وكان زعيم حزب العدل والرفاه الروحاني، إلا أنه قبل ثلاثة سنوات اتهم مؤيدو غولن في الشرطة والجهاز القضائي المقربين من أردوغان بما في ذلك ابنه بلال بالفساد ،ومنذ ذلك الحين تراجعت العلاقات بين الاثنان وتجمدت، وأعلن عن اليزمط في تركيا عام 2014 كمنظمة إرهابية.
“جاسوس للغرب”
ويدعي غولن أنه يعارض الإرهاب، وأنه لا مكان للإرهاب في الإسلام الحقيقي، وحسب قوله فإن على المسلمين أن يعيشوا حياتهم حسب التعاليم الإسلامية التي تطالب بالأدب، والعمل الصعب، والصدقات، وهو يتحدث كثيرا عن السلام العالمي وتحمل الآخر وتقوية العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا وعن الاقتصاد الحر، فهو يؤيد قيم الغرب لدرجة أن معارضيه يتهمونه بأنه جاسوس للغرب.
ووصفت الكاتبة علاقة غولن مع الصراع الإسرائيلي?—?الفلسطيني بـ”المركبة”، فقد أعرب عن تأييده لاتفاق أوسلو، وهو يعارض تدخل الغرب بالصراع، وحسب قوله، فإن هذا الصراع سياسي وليس ديني ويمكن أن ينتهي بمساعدة الأمم المتحدة دون تدخل مباشر لدول أجنبية حيث يؤيد غولن الفلسطينيين ويطالب المسلمين بمساعدة غزة، لكنه عارض سفينة “مرمرة” وقال إنه على منظميها السفر والتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل قبل أن ينطلق، وكان هذا الشرخ الأول بينه وبين أردوغان، عندما “طالب غولن أردوغان بإعادة الديمقراطية لتركيا فغضب أردوغان من محاولة التدخل بسياسته”، كما يقول ليئال.
كما يؤيد غولن العلاقات مع إسرائيل ويؤمن بالحوار الديني، كما تم توثيق لقاءات كثيرة بين مؤيدي الحركة وبين الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة على موقع الحركة.
ونقلت الكاتبة عن إفرات أفيف، من جامعة بار إيلان، والتي تابعت لقاءات غولن مع قادة يهود، تصف لقاء حدث عام 1997 في اسطنبول بين غولن وبين الحاخام الياهو بكشي دورون الذي كان في حينه الحاخام الشرقي الرئيسي،حيث طلب الحاخام من غولن أن يساعد في تقديم المساعدة ليهود ايران، لكن غولن ادعى أنه ليست له علاقات في تلك الدولة، كما أراد فتح مدرسة في إسرائيل وتمنى أن يساعده الحاخام بكشي دورون.
وكان هناك لقاءات اخرى بين غولن وبين الحاخام دافيد أساو، الحاخام الرئيسي لتركيا وهو مقرب من رجل الأعمال اليهودي التركي إسحق التون، والتقيا في إسطنبول ويحافظان على اتصال هاتفي.
هل هو أفضل
ويرى أوري بار نير، الذي كان سفيرا لإسرائيل في تركيا، أن “أردوغان أخطر من غولن، فهو شخص مستقيم ولديه المعرفة والكاريزما، وهو أكثر تحضرا من أردوغان”.
واختتمت ليفوفيتش مقالها بتصريح ليثال: “صحيح أن غولن يسيطر على حركته بيد من حديد ولا يوجد له نائب، لكنه لم يسبق أن أدار دولة”، معتبرا أن “إسلام غولن متحضر أكثر من إسلام أردوغان المتطرف”.