جميعنا درس في المراحل الدراسية ما قبل الجامعية التاريخ العربي، سواء القديم منه أو الحديث - مما أتاحته لنا نظم الحكم العربية من مناهج لا تخلو من التشويه - قرأنا تاريخنا بنجاحاته وإخفاقاته، قرأنا تاريخ القرون الثمانية التي عاشها العرب المسلمون في الأندلس، إلى ما انتهت وكيف انتهت، كما قرأنها أيضاً الحقبة التي عاشتها بلاد الشام إبّان الغزو الصليبي، كيف كنا، وكم لبثنا، وكيف تحررنا؟ وغير ذلك الكثير.
أما الحقبة الأهم بحكم الواقع وكوننا جزءاً منه - قبل أن نصبح ماضياً شأننا شأن من سبقنا من الأمم الغابرة - والتي تعنينا أكثر من غيرها لأننا نعيش تبعاتها ونتائجها فهي فترة الاستعمار الحديث لأجزاء كبيرة في العالم عامة ومنطقتنا العربية بشكل خاص، وهي المدة التي تلت كما هو معروف نهاية الخلافة العثمانية وتقاسم تركتها بين أطراف الاحتلال الأوروبي.
هذه المرحلة التي جعلتنا نتحدّث بمنطق الدولة القطرية ونتصارع من أجلها، بعد أن كنّا نتحدّث بمنطق الأمّة ونتّحد من أجلها.
هذه المرحلة التي أصبحنا فيها جزراً متناثرة تحوز عليها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، فقد تم تقاسم هذه الأمة كما يتقاسم أي شخصين قالباً من الحلوى، هكذا وبمنتهى البساطة انتهى حالنا. ولعلّ أكبر إهانة حصلت للعرب بتاريخهم، أن يتّفق شخصان على تقسيم بلادهم ويقرّان تقسيماً دفعنا وما زلنا "كعرب" الدم والمال في سبيل الحفاظ عليه..! فأي مستوىً من الانحطاط وصل إليه حال العرب من حكام وشعوب، وما زال مستمرا؟!
أحاول أن أتخيل كيف كان اجتماع الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو مع نظيره الدبلوماسي البريطاني مارك سايكس، ماذا كانا يحتسيان؟ أو يأكلان؟ كيف كان شعورهما وهما يتلذذان بتقاسم هذه الدول؟ وما الأحاديث الجانبية التي كانا يتحدثان فيها وهما يقتسمان بلاد العرب؟ كيف كان الموقف وهما يقتسمان الأرض العربية فيما بينهما، هذه لي وهذه لك!
أي دور لعبته المرأة التي أطلق عليها العرب في حينها "أم المؤمنين" أو "خاتون العرب" وهي الجاسوسة البريطانية غيرترود بيل! هل نقول: يا لسخرية التاريخ أم نقول يا لسخرية رجالات تلك المرحلة.
ما نسبة العرب الذين يعرفون عن ماضيهم الحديث الذي يعيشون تبعاته الآن، من يعرف غيرترود بيل هذه؟ وماذا كان دورها؟ من يعرف ماذا كان الدور الحقيقي لـ توماس إدوارد لورانس والذي يطلق عليه العرب "لورانس العرب"؟
لا ذنب للتاريخ عندما يَفضح، فهو لا يرحم، إنما يسجّل فقط! إنما الذنْبُ كل الذنْبِ على من كانوا يتزعمون تلك المرحلة، أو يظنون أنفسهم أنهم زعماء تلك المرحلة، وهم ليسوا أكثر من بيادق تُحرّك بيد القوي دون إرادة منها أو أدنى مستوىً من الوعي.
بالطّبع عملية التقسيم لم تكن بالبساطة التي أسردها أو يظنّها القارئ، إنما تمت بهدوء وعناية وتخطيط، ناتج عن دراسة المنطقة وشعوبها وتاريخها وحاضرها وجغرافيّتها، وأيضاً وبالطبع تم بخبث ومكر مازلنا نعيش تبعاته حتى اللحظة التي بات مصير العرب فيها أسوأ من تلك السابقة.
ما أشبه اليوم بالأمس، وما أشبه الأمس بسابقه.. إنها عجلة التاريخ تدور وتعود لكن هل من متّعظ؟!
تأسّفنا على ضياع الأندلس وتأسّفنا على تقسيمنا وضياع فلسطين، ونحن نسأل أنفسنا بطفولتنا وشبابنا سؤالاً بسيطاً، ماذا كان يفعل أسلافنا؟!
ربما سيكون هذا هو السؤال الذي سيسأله حفدتنا وستسأله الأجيال القادمة.. للأسف