مقالات مختارة

انقلاب طال انتظاره.. فما هي تداعيات فشله؟

1300x600
1300x600
التكهنات بإمكانية حدوث انقلاب في تركيا لم تتوقف على مدى الأشهر الستة الماضية؛ فهناك من كان يبشر به وآخرون يحذرون من إمكانية حدوثه؛ سيناريو ابقى تركيا في حالة ترقب حسم ليلة امس الأول بمواجهة دامية خاضتها الأجهزة الأمنية والاستخبارية التركية إلى جانب الشعب التركي ضد انقلاب طال انتظاره؛ فالانقلاب تم التصدي له بسيناريو مضاد لا يقل قوة وإعدادا عن سيناريو الانقلاب ذاته؛ فعفوية الشعب التقت مع أجهزة أمنية منظمة ومؤسسات دولة راسخة منهية كابوس الانقلاب في ساعات قليلة.

كثير من وسائل الإعلام الغربية التي كانت تحذر من الانقلاب أو تبشر به انخرطت بالتغطية الإعلامية، وجلها ركز في اللحظات الأولى على استضافة محللين يبحثون السيناريو المتعلق بنجاح الانقلاب وتداعياته؛ فالرئيس أردوغان بحسب المحللين يتحمل المسؤولية عن الانقلاب، كما انه لم يفز بأكثر من 52% من الأصوات، علما بأن أوباما الرئيس الأمريكي لم يحظ بهذه النسبة، والحال ذاته مع الرئيس الفرنسي؟

ما لبث الرئيس أردوغان أن ظهر على وسائل الإعلام حتى خفت الحماسة، وبدا الحديث عن السيناريوهات البديلة المحتملة، وعلى رأسها الانقسام داخل الشارع التركي وإمكانية المواجهة والحرب الأهلية؛ لتنتهي السيناريوهات الكئيبة بالحديث عن موقف أوباما المتأخر والداعم للشرعية، خصوصا لدى فضائية سي أن أن التي بدأت بالحديث عن مصير القواعد الأمريكية الـ26، وعن الطريقة التي ستستجيب فيها الإدارة لاحتمال مطالبة تركيا بتسليم فتح الله غولن المقيم في بنسلفانيا للسلطات التركية، ومستقبل تركيا في الناتو.

سياسات تحريرية متباينة، ولكنها غير متعاطفة مع أردوغان وحكومته؛ ففضائية بي بي سي انتقلت من التحليل المحلق بالإدانة لأردوغان وحزبه وأسلمته للدولة، ومسؤوليته عن الفوضى والتوتر إلى الحديث عن مهنيتها بقول احد مذيعيها بعد ساعات من المحاولة والجهود الانقلابية الفاشلة إلى القول بأنها تنقل الأخبار فقط، أي إنها معنية بالرأي والرأي الآخر؛ أما فضائية الحرة فبقيت حتى الساعة الخامسة صباحا تتحدث عن سيطرة الانقلابيين على مفاصل الدولة ومراكزها الحيوية، عارضة صورا تجاوزها الزمن بساعات لشوارع فارغة وجنود منتشرين في الشوارع، متجاهلة اعتقال الجنود والضباط والفشل الواضح في العملية الانقلابية؛ ما يثير الكثير من التساؤلات حول طبيعة التغطية الإخبارية ومهنيتها.

في حين إن روسيا وايران لم تخفيا حذرهما في البداية، تبعه ارتياح بفشل الانقلاب، في حين إن الإعلام السعودي الرسمي اظهر تعاطفا واضحا وفي وقت مبكر مع الشرعية التركية؛ أما الكيان الإسرائيلي فأظهر خيبة امل كبيرة بنتيجة الانقلاب الفاشل مع تباك واضح على مصير الانقلابيين.

في المحصلة النهائية، لم ينجح الانقلاب المنتظر والموعود الذي بشر به الكثيرون، ولم ينجح سيناريو الفوضى كبديل؛ ما يدفع إلى البحث في تداعيات فشل هذه المحاولة على الإقليم والتحالفات القائمة، خصوصا اذا ثبت تورط قوى دولية أو إقليمية في المحاولة؛ إذ ستشهد لأيام القليلة القادمة الكثير من المفاجآت والانعطافات السياسية الحادة، خصوصا أن المسؤولين الغربيين بقوا صامتين على هذه المحاولة، مختبئين خلف عبارة مطاطة «مراقبة التطورات» لساعات لم تطل، خصوصا بعد ظهور الرئيس أردوغان واستعادة أجهزة الأمن والشعب التركي السيطرة التدريجية والسريعة، محبطا بذلك كافة السيناريوهات وآخرها كان الانقسام الداخلي والحاجة إلى وساطة دولية؛ ما حيد وعطل أي محاولات تدخل وواسطة دولية أو أوروبية لمعالجة الموقف المتأزم.

فشل الانقلاب في تركيا سيكون لها تداعيات مهمة، وسيدفع تركيا إلى مراجعة علاقاتها الإقليمية والدولية، وخصوصا بالاتحاد الأوروبي والناتو؛ ففتح الله غولن في أمريكا، وحديث رئيس الوزراء كان واضحا أن تركيا لن تتهاون مع من يقدمون الرعاية والحماية لرئيس النظام الموازي؛ فغولن سيتحول إلى احد ابرز الملفات الساخنة، والمتوترة في علاقة تركيا بالولايات المتحدة.

الأمر لا يتوقف عند هذه الحدود والقراءة الأولية، فالمحاولة الانقلابية أوحت بإمكانية إعادة هندسة الإقليم والدولة المركزية فيها، بما يتناسب مع هذا التحول الكبير والخطير؛ ما دفع الدول المركزية في الإقليم إلى التعاطف مع الرئيس التركي مباشرة، وانعكس في الأداء الإعلامي الحذر فأي تغير في تركيا لم يكن لتتوقف فصوله وهندسته عند تركيا بل سيكون له امتدادات خطيرة على عدد من الدول الإقليمية والقوى الدولية على رأسها ايران والسعودية وروسيا.

فشل الانقلاب وانتصر الشعب التركي هذا ما أكده رئيس الوزراء السابق داوود أوغلو الذي تحدث عن تركيا باعتبارها تخوض معركة استقلالها الثانية؛ ما يعني ولادة جديدة للدولة والأمة التركية وبداية حقبة جديدة في تركيا وعلاقاتها الإقليمية والدولية.

عن صحيفة السبيل الأردنية
0
التعليقات (0)

خبر عاجل