قضايا وآراء

الفصل بين السياسي والحقوقي

هاني بشر
1300x600
1300x600
 طغت مسألة الفصل بين السياسي والدعوي على السطح في الآونة الأخيرة، وهي نقاش ليس بجديد، لكن فرضه الواقع السياسي لبلدان ما بعد الثورات العربية. وإذا كانت المسألة محل جدال يتعلق بحدود هذا الفصل ودور الدين في الحياة السياسية والعامة، فإن هناك جانبا آخر يتعين فصله وهو الجانب الحقوقي، الذي لا أتوقع أن يثير فصله الجدل ذاته. وهو فصل تمليه كافة الظروف الحالية لعدة اعتبارات. 

أولها أنه يحتاج إلى جهد متخصص، خاص وأن السياسيين ذوي المرجعية الإسلامية سواء كإخوان أو غيرهم هم أكثر الفصائل تضررا من غياب الحريات العامة وتعرضا للظلم والقهر. وثانيا فإن اتساع نطاق المظالم لتشمل ما هو عام وخاص بشكل أصبح يشكل ظاهرة وليس عرضا طارئا في حياة المجتمعات العربية. وثالثا لأنه مع غياب الحريات العامة والخاصة فإنه لا مجال لعمل المعارضة الإسلامية سواء كسياسيين أو في مجال الدعوة إلا إذا قبلت بمنظومة استبدادية تفرغ نضالها من جوهره وتدفع الناس لتبني خيارات أخرى للخروج من هذا الظلم.

كيف يتحقق هذا الفصل إذا؟ العملية ليست قرارا يمكن اتخاذه والإعلان عنه. لأنها أعمق من ذلك وتستدعي أولا الإجابة على سؤال آخر يتعلق بمدى استعداد الحركات الإسلامية التخلي عن مركزية الحركة والنشاط. بمعنى أن القبول بالتعاون مع مؤسسات أخرى تعمل في مجالات مختلفة والوصول إلى أرضية مشتركة للتعاون كما تفعل في العمل السياسي مع الأحزاب الأخرى مع اختلاف الدور والوظيفة.

هناك بالفعل في العالم العربي حركة حقوقية تشكلت منذ نهاية السبعينات من القرن الماضي وكان لتونس قصب السبق كعهدها دائما حين تأسست الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان كأول منظمة في إفريقيا والعالم العربي تتخصص في مثل هذا النشاط. بعدها توالت الجمعيات واتسق نطاق عملها وشهد الفكر الحقوقي مراجعات وتطورا كبيرا بعيدا عن علماء الدين المسلمين ومن دون محاولات لجسر الهوة بين هؤلاء وهؤلاء. 

والأمر هنا لا يتعلق بالإسلام وحقوق الإنسان، ولكن يتعلق بمنظومة حقوق الإنسان الحديثة والواقع الذي تتعامل معه وبين الآراء الفقهية التي تحتاج إلى فقيه ومفكر ليستطيع التعامل مع مستجداتها. وغني عن الذكر في هذا المقام حلف الفضول الذي كان في الجاهلية قبل البعثة أقيم لنصرة المظلوم وقال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: "لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت "رواه أحمد. 

من مقتضيات هذا الفصل التنبه إلى القضايا التي يتم الإعلان عن الوقوف إلى جانبها وأن لا تقتصر بالضرورة على القضايا التي للحركات الإسلامية مصلحة مباشرة فيها كمكاسب انتخابية أو إفراج عن فئة معينة من المعتقلين. فالانتقائية في التضامن الإنساني تتنافى مع العمل الحقوقي الذي يدافع عن الإنسان بغض النظر عن انتمائه السياسي أو الديني. أما المسألة الأخرى فتتعلق بالتضامن غير المشروط مع المظلوم أو الضحية وهو الحد الفاصل بين التعصب والتسامح وبين الطائفية والتعددية.

إن أي كيان بشري معني بإدارة أحوال الناس العامة، سواء كان حزبا أو جماعة أو السلطة الممثلة في الدولة الحديثة في الغرب والشرق، يبني جزءا كبيرا من شرعيته على احترام وحماية حقوق الإنسان ومناصرة الطرف الأضعف كالأقليات القومية والدينية والمعاقين.. إلخ. 

وسواء كان لحكومات هذه الدول مواقف متناقضة أحيانا تجاه هذه القضايا أم لا، فقضايا الدفاع عن حقوق الإنسان بوصفه منجزا إنسانيا ليس مرتبطا بالسلطة، بل على العكس، فهو منفصل عنها، وأحيانا يشكل قيدا عليها. ومن هنا يجب التنبه لمسألة الفرق بين حركة حقوقية منتشرة في العالم كله تكتسب كل يوم أرضية جديدة وتضغط على الحكومات، وبين أنظمة دول غربية تستخدم أحيانا المصطلحات الحقوقية لتبرير سياسات تتنافي مع حقوق الإنسان.
0
التعليقات (0)