ملفات وتقارير

ما الذي قد يدفع المملكة المتحدة للتراجع عن الخروج من أوروبا؟

بريطانيا الاتحاد الأوروبي
بريطانيا الاتحاد الأوروبي
صوتت المملكة المتحدة في استفتاء تاريخي، الخميس الماضي، لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي بنسبة 52 في المئة، مقابل 48 في المئة لمعسكر البقاء، خرجت فيه من اتحاد استمر على مدى 43 عاما.

وشكلت نتيجة الاستفتاء موجة من الصدمات ضربت دول أوروبا، التي لم تتمكن من استيعاب تصويت الناخبين البريطانيين لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي.

وظهرت المملكة المتحدة بعد الاستفتاء دون خطة، ولا إدراك ماذا يعني الخروج بشكل عملي، حيث حلت حالة من الغموض على الأمر، وفق ما علقت به صحيفة “الغارديان” البريطانية بعد الاستفتاء.

وبحسب ما رصدته "عربي21"، فإن من الأسباب التي قد تدفع المملكة المتحدة إلى مراجعة خيار الخروج من الاتحاد الأوروبي، التالي:

صدمات الخسائر الاقتصادية

سببت نتيجة الاستفتاء ضربة اقتصادية عالمية، وتكبدت بورصة لندن العملاقة خلال ستة ساعات فقط من تداولاتها صباح اليوم التالي للاستفتاء، الجمعة الماضي، خسائر فلكية قاسية هي الأكبر على الإطلاق في تاريخها، وهي خسائر تجاوزت كل ما دفعته بريطانيا للاتحاد الأوروبي خلال الـ15 عاماً الماضية.

وبحسب بيانات الاتحاد الأوروبي التي اطلعت عليها "عربي21"، فإن مساهمة بريطانيا في موازنة الاتحاد بلغت العام الماضي 2015 نحو 13 مليار جنيه إسترليني، لكن الاتحاد ينفق من هذا المبلغ نحو 4.5 مليارات جنيه داخل بريطانيا، ما يعني أن المساهمة الحقيقية والصافية لبريطانيا تبلغ 8.5 مليارات جنيه إسترليني سنويا.

وإلى جانب خسائر البورصة، فإن الجنيه الإسترليني هبط حينها بأكثر من 10 في المئة أمام الدولار الأمريكي.

وما تزال الأسهم الأوروبية تعاني هبوطا إلى اليوم، مع تعثر محاولات التعافي من موجة هبوط عنيفة نتجت عن تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، مع تراجع أسهم البنوك الكبرى.

وحذر وزير المالية البريطاني، جورج أوزبورن، من أن بريطانيا ستضطر لخفض الإنفاق وزيادة الضرائب لمواجهة التحديات الاقتصادية الناجمة عن اقتراع البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي.

وسئل إذا كانت الضرائب سترتفع والإنفاق سينخفض فقال: "نعم بكل تأكيد".

خطر خروج اسكتلندا وإيرلندا الشمالية

صوتت أسكتلندا أو إيرلندا الشمالية -اللتان تشكلان مع إنجلترا وويلز المملكة المتحدة- بوضوح، لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي يعرض وحدة المملكة للخطر.

فقد صوتت اسكتلندا التي يقطنها خمسة ملايين شخص لصالح البقاء داخل الاتحاد الأوروبي بنسبة 62 بالمئة مقابل 38 بالمئة في استفتاء الخميس، ما يضعها على خلاف مع بريطانيا التي صوتت ككل بنسبة 52 بالمئة لصالح الخروج من الاتحاد مقابل 48 بالمئة للبقاء بداخله.

ويرى كثيرون أن نتيجة الاستفتاء يمكن قراءتها قراءة ثانية، وهي 2:2، لأن شعبين من شعوب المملكة المتحدة الأربعة صوتا لصالح البقاء.

من جانبها، أوردت صحيفة "ديلي ريكورد" الاسكتلندية أن "أسكتلندا وإنجلترا لم تشعرا بالانقسام السياسي كما تشعران به في الوضع الحالي، الذي نتج عن تصويت يوم الخميس، حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي". 

وكانت اسكتلندا وافقت في استفتاء أجري 2014، بنسبة 55 في المئة مقابل 45 في المئة على البقاء جزءا من المملكة المتحدة، لكن استطلاعات الرأي تشير إلى أن التأييد للاستقلال تزايد منذ ذلك الحين.

وأظهر استطلاع جديد للرأي نشرت نتيجته الأحد الماضي صحيفة "صنداي تايمز"، أن 52 في المئة من الأسكتلنديين يؤيدون الانفصال عن بريطانيا، بعد قرار أكثرية الناخبين البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي.

اقرأ أيضا: %52 من الأسكتلنديين يؤيدون الاستقلال بعد انفصال بريطانيا

وقالت رئيسة وزراء أسكتلندا نيكولا سترجن، إن تنظيم استفتاء جديد على استقلال المقاطعة بات "مرجحا جدا".

ولقي هذا التوجه ترجيبا لدى مشرع ألماني كبير وحليف للمستشارة أنغيلا ميركل، الذي قال إن اسكتلندا مستقلة ستكون محل ترحيب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

تراجع مطالبين بالخروج.. وإعادة الاستفتاء

اهتمت الصحف الأجنبية لا سيما البريطانية، بتراجع الكثيرين ممن صوتوا لصالح الخروج، بعد الانتكاسات الاقتصادية، والجدل الكبير جراء الصدمة الأوروبية من النتيجة، ودشن بريطانيون عريضة جديدة تدعو لاستفتاء جديد على عضوية بلدهم في الاتحاد الأوروبي، بعد يوم واحد فقط على الاستفتاء.

وتجاوز الموقعون على العريضة المطالبة بإعادة استفتاء بريطانيا 4 ملايين شخص، وفق ما تابعته "عربي21".

وبهذه التوقيعات، يتعين على البرلمان البريطاني مناقشة العريضة التي جمعت الحد الأدنى، وهو 100 ألف توقيع.



بإمكان البرلمان منع الخروج



يعد الاستفتاء الذي أجري في المملكة المتحدة غير ملزم قانونيا، ويمكن للبرلمان البريطاني ألا يطبق نتائج الاستفتاء، فالاستفتاء ذو طبيعة استشارية وليس ملزما. 

وأوضح البرلماني من حزب العمال دافيد لامي، أن البرلمان "غير مجبر" على الخضوع لإرادة الشعب، وقال: "لسنا مجبرين على فعل ذلك.. دعونا نوقف هذا الجنون". 

وقال الأستاذ في جامعة لندن للسياسة والاقتصاد، جو موركينز، بحسب ما نقل عنه الصحفيون، إن "البرلمانيين البريطانيين ممثلون للشعب وليسوا مندوبين"، مضيفا أن "مهمتهم ليست اتباع إرادة الشعب، وإنما وزن هذه الإرادة سياسيا، واتخاذ قرار بحسب ما يمليه عليهم ضميرهم". 

لكن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الذي أعلن أنه سيستقيل، طالب الاثنين، بألا تجري أي محاولة في البرلمان لمنع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بعد الاستفتاء على الخروج، ودعا إلى احترام إرداة الشعب.

حل ملف الهجرة

مثّلت الهجرة الملف الرئيس والحاسم في تشكيل قرار الناخب البريطاني؛ إذ تغلب الخوف من الهجرة على الخوف من المشاكل الاقتصادية المتوقعة حال الخروج. 

ورأى عدد كبير من البريطانيين، أن قوانين الاتحاد الأوروبي هي التي تسببت فيما وصلوا إليه من تدفق مبالغ فيه للمهاجرين من أوروبا، الأمر الذي أثر سلبا في مستوى المعيشة في بريطانيا، وفق ما رأوه.

اقرأ أيضا: بريطانيا ربما تلجأ لاستفتاء ثان إذا اتفقت على ملف الهجرة

وأوردت صحيفة "ديلي تليغراف" رسالة لوزير الصحة البريطاني جيريمي هانت، نشرتها الاثنين الماضي، قال فيها إن بريطانيا قد تجري استفتاء ثانيا على عضويتها في الاتحاد الأوروبي إذا تمكنت من إبرام اتفاق مع الاتحاد الأوروبي يسمح لها بالسيطرة الكاملة على حدودها.

من جهته، أكد الكاتب البريطاني جدعون راخمان، في صحيفة "فايننشال تايمز"، في مقال سابق له، أن ملف الهجرة كان يمثل الورقة الرابحة بين المعسكرين المؤيد للخروج والمعارض له.

واعتبر راخمان أن ملف الهجرة كان بمثابة هدية لصالح معسكر الخروج، إذ تضم ثلاثا من الحيثيات التي ارتكز عليها المدافعون عن خروج المملكة من الاتحاد، وهي: فقدان السيادة، وسوء تقدير النخبة الحاكمة للأمور، وصعوبة تحقيق إصلاح حقيقي في الاتحاد الأوروبي.

معاهدة لشبونة


وإلى جانب هذا كله، يتوقع أنصار ديفيد كاميرون أن يحتكم رئيس الوزراء إلى المادة 50 من معاهدة لشبونة الأسبوع المقبل، ما يفتح الباب أمام إجراء مفاوضات حول الانفصال لعامين على الأقل، لما تتسم به هذه العملية القانونية السياسية من تعقيد، بحسب "بي بي سي".

وفي غضون ذلك، تريد باقي دول الاتحاد الأوروبي عقد اتفاق جيد مع الحكومة البريطانية، لكن أغلب العواصم الأوروبية ليس لديها استعداد لتقديم معروف إلى بريطانيا. وذلك لأن منهجية "الشكوك في الوحدة الأوروبية" تشهد انتشارا في دول الاتحاد على مدار السنوات القليلة الماضية، في الوقت الذي يحاول القادة السياسيون في القارة العجوز إظهار أن الخروج من الاتحاد الأوروبي ليس سهلا.

في المقابل، طالما لم تلجأ بريطانيا إلى المادة 50 من معاهدة لشبونة، فإنه بات مرجحا  أن تتمسك بروكسل ببقاء بريطانيا عضوا مهما كان الثمن، وبشكل يرضى عنه حتى أعضاء الحزب المحافظ وأنصار "البريكسيت".

ولكن ما يعيق ذلك هو أن الأوروبيين بعد نتائج الاستفتاء يريدون إنهاء إجراءات "البريكسيت" بأسرع وقت ممكن، إذ إن من شأن المماطلة والتأرجح أن تشل عمل الاتحاد الأوروبي.

يشار إلى أن الاستفتاء الذي حصل هو الثالث في تاريخ المملكة المتحدة، ويأتي بعد معركة على الأصوات استمرت على مدى أربعة أشهر بين معسكري "التصويت بالبقاء" و "التصويت بمغادرة" الاتحاد الأوروبي.
التعليقات (0)