مقالات مختارة

رسالة مهمة ولكن

حسن البراري
1300x600
1300x600
يبدو أن إدارة الرئيس أوباما لم تعد تحتمل النقد الموجه لها من قبل الأعداد المتزايدة من المسؤولين الأمريكيين الذين يحملون بشدة على سياسة الرئيس أوباما إزاء الأزمة السورية، فتسريب رسالة وقعها 51 من الدبلوماسيين الأمريكيين الأسبوع الماضي والتي تدعو إلى توجيه ضربات عسكرية من قبل القوات الأمريكية لإجبار نظام بشار الأسد على التفاوض بجدية هي خطوة تستحق التأمل.

فبعد سنوات من سياسة المماطلة والتضليل التي يمارسها بشار الأسد وداعموه الإقليميون وروسيا استبطن هؤلاء الدبلوماسيون أن الحديث عن حل سياسي هو موجود فقط في قاموس الجانب الأمريكي، والحال أن قوات الأسد وحلفاءه يسعون بكل قوة لحسم الأمور عسكريا وفي سبيل ذلك يتم توظيف العمل السياسي للمماطلة واكتساب مزيد من الوقت لحسم الصراع.

لم يتأخر وزير الخارجية جون كيري عن الرد، وقد التقى يوم الثلاثاء الماضي بعدد من موقعي الرسالة للاستماع إليهم، فالرسالة تعبر عن انتقاد لنهج أوباما المتردد إزاء سوريا وهو أمر اعتبره جون كيري جيدا إذ وصف الرسالة بأنها "جيدة جدا". وفي اللقاء الذي استمر لمدة ثلاثين دقيقة فقد أبدى جون كيري تفهمه للرسالة وتقديره لها. ومع كل النقد والغليان – إن جاز التعبير – فإنه من غير المحتمل أن يغير الرئيس أوباما سياسته في نهاية فترته الرئاسية وربما يكون الرئيس في وضع أشبه بالبطة العرجاء، وهو أمر يعرفه جيدا بشار الأسد والقوى المتحالفة معه وبخاصة إيران وروسيا، لذلك يمكن القول إن كل التهديدات والتحذيرات الأمريكية لن تغير من الأمر شيئا لأن الإدارة فقدت قوتها على الردع بعد أن بدا للجميع أن الرئيس أوباما ليس رجل حرب وهو يخشى المواجهات الكبرى.

والمتابع للمشهد السوري لا يمكن له إلا أن يلاحظ أن القوى المتحالفة ضد الثورة السورية لا تريد حلا سياسيا إلا إذا كان ذلك في سياق استسلام المعارضة لمنطق القوة وليس لقوة المنطق، فالعمل العسكري العدواني ضد حلب وسياسة الأرض المحروقة التي تتبعها القوات الروسية والتي لا تميز فيها بين من هو معتدل ومن هو متطرف إرهابي كلها تهدف إلى حسم الصراع على الأرض عسكريا، ولا ضير في سبيل تحقيق ذلك أن تخادع روسيا العالم وتتذرع بأن الحل السياسي يجب أن يكون موازيا للعمليات العسكرية التي بطبيعة الحال تهدف إلى ضرب المعارضة المعتدلة للقضاء عليها حتى يسود الأسد ونظامه في نهاية اللعبة عندما يضطر المجتمع الدولي للاختيار بين نظام الأسد وداعش.

كما أن المتابع الحثيث لمجريات الأزمة منذ انطلاقتها يلاحظ أن تردد الرئيس أوباما كان سببا رئيسيا لعسكرة الثورة ولدخول الإرهابيين إلى المشهد، وبالفعل نبهت هيلاري كلينتون إلى ذلك في كتابها الأخير والتي قالت فيه "إن تردد أوباما في مساعدة المعتدلين في البداية هو الذي فتح المجال لبروز داعش". وأعتقد أن توصيف هيلاري كلينتون صحيح بنسبة كبيرة جدا. وفي سياق متصل حاول السفير الأمريكي الأسبق روبرت فورد الضغط على الإدارة لتبني نهج مختلف إلا أن الرئيس أوباما كان مهووسا بفكرة أنه لا يريد توريط الولايات المتحدة بحرب أخرى في الشرق الأوسط الأمر الذي التقطه الأسد وحلفاؤه ومكنهم من وضع خطط لإجهاض الثورة.

لا تكمن أهمية الرسالة في إمكانية تغيير موقف الإدارة الحالية في نهاية فترتها، لكنها ستفضي إلى نقاش مختلف في واشنطن في قادم الأيام، فالإدارة القادمة التي ستأتي بعد الانتخابات ستستبطن أن سياسة أوباما قوّت من خصوم أمريكا في المنطقة وأضعفت حلفاءها. والحق أنه ما زال في وسع الإدارة تغيير قواعد اللعبة في سوريا بما يضمن تحقيق نتائج مختلفة، فالإصرار على أنه لا حل عسكريا في سوريا في وقت تقوم فيها روسيا وبشار وإيران وحزب الله بتكثيف أعمالهم العسكرية لا يقنع أحدا بأن هناك منطقا استراتيجيا حصيفا يقود نهج الإدارة. بمعنى أن الإدارة تصر على مقولة غياب الحل العسكري وكأن رئيس الإدارة هو محلل سياسي ينتظر وقوع الأحداث لا العمل على التحكم في وتيرة الأحداث بل وخلقها.

باختصار، لقاء كيري مع عدد من موقعي الرسالة لا يعني أن ذلك سيفضي إلى تغيير في موقف الإدارة الحالية لكنه يعكس انقساما واضحا في الآراء لم يعد هناك مجال لإخفائها. فأوباما الذي كان مشغولا لحد الهوس بما أسماه "تركة أوباما" والمتمثلة بالاتفاق النووي جعلته يتساهل مع كل السياسات الإيرانية المزعزعة لاستقرار منطقة كانت الإدارة الأمريكية تعتبر استقرارها يصب في مصالح بلادها.

عن صحيفة الشرق القطرية
0
التعليقات (0)